غازي عيسى فاتحة الشهداء المدنيين من أبناء النبطية على مذبح القضيّة الفلسطينية
كامل جابر
اعتاد أبناء النبطية على همجية العدو الإسرائيلي في غارات طيرانه الحربي على مخيم اللاجئين الفلسطينيين في النبطية موقعاً بين سكانه الآمنين الشهداء والجرحى، مدمراً بيوتهم المتواضعة وجلها مسقوفة بالتنك والألواح الركيكة. لكن ليل الثالث عشر من تشرين الثاني في سنة 1974، أرعب مدينة النبطية وأهلها، إذ بدأت القذائف المدفعية العشوائية تتساقط على الأحياء السكنية فيها، من دون سابق وإنذار، تركزت على حي السراي، الأقدم فيها، ما نجم عنها 4 شهداء وأكثر من 20 جريحاً جميعهم من المدنيين، وانطلاقة ليل التهجير الطويل في عاصمة جبل عامل، المتد إلى سنوات طوال.
من بين الشهداء، الشهيد غازي محمد نجيب عيسى (اسماعيل)، صديق عائلتنا، وبخاصة أشقائي الأكبر سناً من مجايليه، وكان لا يكاد يمرّ يوماً من دون أن يزور بيتنا، شاباً يافعاً ينم عن كثير من التهذيب والتربية الصالحة والاندفاع، وكان في بداية إطلاق متجر له وسط المدينة (مؤسسة غازي حالياً) لبيع الأسطوانات و”الكاسيتات” وبضائع أخرى للسيارات. وقد شكّل استشهاده صدمة لعائلته ولنا ولكل أبناء النبطية، إذ كان والده الراحل محمد نجيب عيسى على علاقات وثيقة ودّية ومميزة مع معظمهم. وسجل كذلك فاتحة الشهداء المدنيين من أبناء النبطية على مذبح القضيّة الفلسطينية التي يخلص لها جلّ أبناء المدينة وفاعلياتها المختلفة، وأيضاً على مذبح الوطن الذي حاول العدو الإسرائيلي النيل منه انتقاماً لولائه للقضية إياها وطمعاً في خيراته ومائه.
وكتب نبيه باشو في صحيفة النهار: “لا يمكن العائد من النبطية أن ينسى بسهولة مشاهد الدمار والخراب اللذين حلّا بمنازل هذه المدينة الآمنة.
كان الجو فيها أشبه بجو عاشوراء. حي السرايا تصدع القسم الأكبر من منازله وهوى القسم الباقي وقد شوهته قذائف مدفعية العدو من عيار 175 ملم -وهي أبعد المدافع الإسرائيلية مدى- التي كانت تتساقط الواحدة تلو الأخرى.
وكانت الحصيلة: 4 قتلى ونحو 20 جريحاً وتصدع وهدم عشرات المنازل ونفقت أعداد كبيرة من الأبقار.
كيف بدأ القصف؟ ومن أين؟
كانت الساعة الثانية عشرة إلا عشر دقائق ليل الأربعاء عندما بدأت المدفعية الإسرائيلية المتمركزة في مستعمرة مسكفعام المحتلة قصفها للنبطية بواسطة قذائف ميدان وقذائف صاروخية.
ثم توالت القذائف، ولم يستطع المواطنون الخروج من منازلهم بسبب شدة القصف. وكان الصراخ يصدر من مختلف الجهات. وتراكض المواطنون إلى الملاجئ القليلة والطبقات السفلى من المنازل.
وتركز القصف بادئ الأمر على الحي القديم ثم امتد إلى أحياء أخرى مجاورة لحي السرايا وصل إلى الجانب الجنوبي الغربي من المدينة الذي يقع قرب مخيم النبطية.
تصدع جدران الجامع
وسط هذا الجو سقطت قذيفتان في ساحة قريبة من الحسينية الرئيسية عند مدخل الجامع الكبير الذي تصدعت جدرانه وكسر زجاجه وتحطمت سيارتان كانتا قرب احدى القذائف التي أحدثت حفرة كبيرة قطرها متر وعمقها 75 سنتيمتراً.
وأكد شهون عيان أنه في هذه الأثناء كانت هليكوبتر تحلق في الظلام فوق النبطية ويبدو أنها كانت ترشد المدفعية إلى أهدافها.
ومع ارتفاع اصوات القذائف وهي تنفجر زاد عدد الأماكن المصابة وارتفع عدد الجرحى والقتلى. واصابت سلسلة من القذائف تجمعاً سكنياً يضم سبع عائلات ومزرعة لتربية الحمام، ونجت العائلة بينما نفق نحو 50 حمامة.
ضرب الحي السكني
وعاد القصف إلى حي السرايا حيث التجمع السكني الشعبي الكثيف فتساقطت قذائف كثيرة وسط أحيائه أصابت المزيد من المنازل وأحرقت عدداً من السيارات احداها ااشتعلت وهي من نوع مرسيدس خاصة عبد الحسين شعبان فتناثرت قطعاً، وطارت واحدة منها كانت مشتعلة إلى مبنى مجاور فأحرقت شرفته، وتحطم زجاج المنازل المقصوفة والمجاورة في المنطقة الشعبية.
وامتد القصف من غير توقف إلى الجانب الشرقي من حي السرايا فدمر المزيد من المنازل وتسبب في جرح آخرين.
وقبل أن يتوقف القصف بقليل سقطت قذيفة قرب مكتب منظمة الصاعقة فأصابت المبنى الذي يقع فيه المكتب وأصيب هذا بتصدع.
وفي الأولى والدقيقة 45 توقف القصف وأسرع الأهالي إلى نقل الجرحى إلى المستشفيات وسط صراخ النسوة وولولتهن.
4 قتلى
وأسفر القصف عن الآتي: 4 قتلى هم: غازي محمد نجيب عيسى (20 عاماً) الذي لاقى حتفه لدى خروجه من منزله لابعاد سيارة أخيه خوفاً من إصابتها، فاخترقت شظايا جسمه وانهار عليه حائط المنزل، حنان باقر (6 أعوام) التي أصيبت بشظية في صدرها ونقلت إلى مستشفى صيدا الحكومي لكنها فارقت الحياة، العامل السوري صالح أحمد الحلبي (24 عاماً) الذي أصيب بينما كان هارباً من القصف فسقطت أمامه قنبلة وانفجرت وشجت احدى شظاياها رأسه، وفدائي مجهول الاسم والمنظمة.
نحو 20 جريحاً عرف منهم: بتول علي وهب (3 أعوام)، حياة مروة، علي وهب، مسعدة أحمد الصباغ (55 عاماً)، علي أمين اسماعيل، محمود فران، علي قديح، مريم قديح، علي أمين، وشريف بدر الدين والفلسطينيون عبدالله صالح مصطفى (17 عاماً) وشقيقتاه هدى (8 أعوام) وآمنة (6 أعوام).