رَفَع لبنان مستوى تَحوُّطه الأمني في ملاقاة العدّ العكسي لحسْم الحرب على تنظيم «داعش» في العراق وسورية، عبر محاولات لـ «الإطباق» المزدوج على الخلايا الإرهابية في مخيمات النازحين السوريين كما في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
فغداة العملية الأمنية فجر الجمعة في عددٍ من مخيمات بلدة عرسال وجرودها الحدودية مع سورية والتي تخللها تفجير 5 انتحاريين أنفسهم وتوقيف نحو 350 شخصاً، تسلُّمتْ الأجهزة الأمنية اللبنانية يوم امس الفلسطيني المطلوب خالد مسعد الملقّب «السيد» المتَهم بأنه الرأس المدبر لخلية إرهابية كانت تخطط لارتكاب تفجيرات خلال شهر رمضان في بيروت وصيدا، والذي كان متوارياً في مخيم عين الحلوة (صيدا).
وجاء تسليم «السيّد» ليعكس القرار الكبير المتخَذ في لبنان بالتعاطي بحزم وحسْم مع المرحلة الخطرة في المنطقة، وما ترتّبه من مخاوف لم تُخْفها حتى جهات غربية، من إمكان ان يحاول «داعش» الهروب الى الأمام وتحديداً في اتجاه لبنان مع الانهيارات المتتالية التي تصيبه، وهو ما كان حاضراً خلال الجولة التي قام بها قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل لعرسال والحدود الشرقية مع سورية قبل نحو 3 أسابيع.
وفيما كانت أصداء عملية الفجر (أُطلقت عليها تسمية «قضّ المضاجع») في عرسال تتردّد في بيروت وسط ارتياحٍ سياسي عام، رغم ما تركتْه من انطباعٍ بأنها «المرحلة التمهيدية» لبدء معركة الجرود لإنهاء وجود المجموعات المسلّحة فيها («جبهة النصرة» و«سرايا أهل الشام» و«داعش»)، فإن إنجاز تسلُّم خالد مسعد اعتُبر تطوراً يوازي بأهميته ما أدّت اليه «الضربة» في عرسال من إحباط مخطط لتفجيرات إرهابية بين زحلة وبيروت، علماً ان عملية عين الحلوة جاءت «نظيفة» ولم تتطلّب حتى اي عملية جراحية ولو موْضعية وتمت من فوق كل التعقيدات التي تحوط بواقع أكبر مخيّم فلسطيني في لبنان هو أشبه بـ «برميل بارود».
وفي معلومات لـ «الراي»، ان حركة «حماس» و«عصبة الأنصار» الإسلامية قامتا بتسليم «السيّد» حفاظاً على أمن مخيّم عين الحلوة واستقراره بعد مطالبة السلطات الرسمية في بيروت بذلك، وقد تسلّمتْه الاستخبارات اللبنانية وجهاز الأمن العام على حاجز الجيش لجهة حسبة صيدا.
وأكدتْ مصادر فلسطينية لـ «الراي» ان «عملية تسليم السيّد جرتْ بطريقة الاستدراج بعد طلب(حماس) و(عصبة الأنصار) منه الحضور للاستماع إليه حول الاتهامات الموجهة له. وحين حضوره الى المكان المحدَّد جرى توقيفه على الفور بواسطة قوة عسكرية ونقْله مباشرةً الى حاجز الجيش اللبناني وتسليمه».
واعتبرتْ المصادر ان عملية التسليم هي الخطوة الأولى على طريق حماية المخيّم من أيّ أجندة غير فلسطينية «وهي رسالة بأن هناك حرصاً فلسطينياً على تكريس التعاون على أرض الميدان مع الأجهزة الأمنية اللبنانية وأن لا غطاء على اي شخص يحاول التفكير بضرب الاستقرار اللبناني وتوريط المخيم وسكانه البالغ عددهم مئة الف نسمة في تداعياتٍ خطيرة مثلما جرى في نهر البارد سابقاً لان هذا يعني شطْب حق العودة».
ولم يكد ان يتم الإعلان عن تسليم خالد مسعد، حتى كانت حركة «فتْح» في مخيم الرشيدية (صور) تسلّم الفلسطيني محمد أحمد المصطفى، وسط معلومات عن أنه يشكّل حالة «داعشية»، فيما ذكر تلفزيون «ام تي في» انه «مسؤول عن تفجير استهداف دورية فرنسية تابعة لقوة (اليونيفيل) في منطقة البرج الشمالي قرب صور العام 2013».
ولم يحجب هذان التطوران في مخيميْ عين الحلوة والرشيدية الأنظار عن عملية عرسال، وسط انطباعٍ بأن ما شهدته البلدة اول من امس، ووضْع مخيمات النازحين تجت المجهر باعتبارها «مصدراً للخطر» أو أقلّه «حاضنة للإرهاب» خصوصاً في عرسال، جاء ترجمةً لقرار بتفكيك «الحال السورية» في تلك المنطقة، عبر «مفاوضات بالنار» تستكمل المساعي التي كانت تجري «على البارد» لضمان انسحاب مقاتلي «النصرة» و«سرايا أهل الشام» الى العمق السوري وبدء مسار عودة عشرات العائلات الى عسال الورد في القلمون الغربي.
وبات واضحاً في ضوء «الضربة النوعية» التي سدّدها الجيش اللبناني للخلايا الإرهابية في عرسال، ان المجموعات المسلّحة باتت أمام خيار: إما معركة غير متاكفئة صارت أقرب من أي وقت، وإما الاستسلام وإما الانسحاب بالتفاوض مع عائلاتهم.
وشكّل الاصطفاف اللبناني خلف الجيش معطى على جانب من الأهمية يؤشّر الى غطاء سياسي كامل للمؤسسة العسكرية في حربها الاستباقية رغم حساسية الوضع في منطقة عرسال نتيجة التداخل بين الأمني والسياسية والانساني.
وكان الرئيس اللبناني العماد ميشال عون هنّأ الجيش «بنجاح العملية النوعيّة» في مخيمات عرسال، واصفاً إياها بأنها كانت خطرة للغاية، داعياً الجيش والقوى الأمنية الأخرى الى «السهر كثيراً للحؤول دون تمكين عناصر التنظيمات الارهابية من السعي الى اللجوء الى لبنان بعد سقوطها في سورية».
أما قائد الجيش العماد جوزف عون، فقال لدى تفقده الوحدات العسكرية في عرسال إن ما جرى «يؤكد القرار الحاسم للجيش بالقضاء على التنظيمات الارهابية وخلاياها وأفرادها أينما وُجدوا على الأراضي اللبنانية»، معلناً ان المرحلة المقبلة «ستشهد تكثيف العمليات النوعية لاقتلاع هذا الشرّ الخبيث».
المصدر: «الراي»
وتحت عنوان «عين الحلوة» يطوي قطوع خالد مسعد بتسليمه
كتب رأفت نعيم في «المستقبل»:
طوى مخيم عين الحلوة «قطوع» المطلوب الفلسطيني الأبرز فيه خالد مسعد، الشهير باسم «خالد السيد» الذي جرى تسليمه صباح أمس السبت، بعد عملية استدراج نفذتها حركة «حماس» و«عصبة الأنصار» اللتان سلمتاه لمخابرات الجيش اللبناني والمديرية العامة للأمن العام.
وقد ارتبط اسم مسعد بخلية إرهابية تابعة لتنظيم «داعش» كانت تُعد لعمليات إرهابية واغتيالات خلال شهر رمضان الماضي، وتم كشفها من قبل المديرية العامة للأمن العام. وجرت عملية تسليمه وسط تكتم على تفاصيلها. ونقل مسعد مع ساعات الصباح من حي الصفصاف الى المدخل الغربي للمخيم (الحسبة) وهناك سلم الى مخابرات الجيش بحضور ممثلين عن حركة حماس وعصبة الأنصار.
وبحسب مصادر فلسطينية مطلعة، فإن أهمية تسليم مسعد تكمن في أنها أولاً جرت بهدوء ومن دون أن تُسجل اية تفاعلات أمنية لها لتشكل سابقة في التعاطي الفلسطيني – اللبناني مع الظواهر والحالات الأمنية التي تهدد السلم الأهلي اللبناني والتي تلجأ الى مخيم عين الحلوة أو تتوارى فيه أو تستخدمه منطلقاً للإخلال بأمن واستقرار لبنان. وبالتالي، فإن تسليمه شكل رسالة مزدوجة: رسالة تجديد الثقة المتبادلة بين المخيم والدولة اللبنانية من خلال تأكيد كل منهما عملياً حرصه على أمن واستقرار الآخر، والثانية رسالة الى كل مطلوب موجود في المخيم أو قد يلجأ اليه ويُشكل تهديداً للسلم الأهلي اللبناني بأنه لن يجد بعد اليوم في المخيم الغطاء الذي كان يجده في السابق وأنه بالتالي لن يكون بمنأى عن أن يلاقي مصير مسعد.
وقال مسؤول العلاقات السياسية في حركة حماس أحمد عبد الهادي «ان هذه الخطوة جاءت لتؤكد أن القوى والفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية جادة في حفظ الأمن والاستقرار في المخيمات وبخاصة مخيم عين الحلوة وجواره».
وأضاف عبد الهادي في تصريح الى «المستقبل»: لقد استشعرت هذه القوى خطورة ما تضمنته التصريحات التي صدرت عن عدد من المسؤولين اللبنانيين حول هذا الشخص من أنه متورط بأعمال مخلة بالأمن اللبناني. ومنذ اللحظة الأولى لتبلغنا من (المدير العام للأمن العام) اللواء عباس ابراهيم بهذه المعلومات، بدأنا كحركة حماس وعصبة الأنصار وبعلم وبغطاء من كل الفصائل الوطنية والإسلامية، جهوداً حثيثة أثمرت وبالتنسيق مع كل الجهات اللبنانية المعنية، هذه الخطوة التي تأتي لتؤكد أن المخيم لا يستقبل أو يؤوي أي فرد أو جهة تخل بأمنه وامن الجوار بالتنسيق مع الجهات اللبنانية المعنية.
ولفت عبد الهادي الى أن الخطوة لاقت ارتياحاً فلسطينياً كبيراً سواء في المخيم أو الخارج ومن كل الجهات اللبنانية، وأنه سبقتها مجموعة خطوات بتسليم عدد ممن أخلوا بالأمن في جرائم قتل وإلقاء قنابل وغيرها.
ورداً على سؤال عما إذا كانت هذه الخطوة تمت بمعزل عن الإطار الفلسطيني المشترك، أي القوة المشتركة، قال عبد الهادي: عملنا بالأساس هو العمل المشترك ولم نتركه ولم نلغه، لكن إذا كان كل جهة أو فصيل فلسطيني يستطيع أن يُساهم لوحده أو مع هذا الفصيل أو ذاك في خطوات تعزز الأمن والاستقرار للمخيم وللجوار فهذا لا يلغي ذاك، وبالنهاية عملنا هو تحت سقف العمل الفلسطيني المشترك.
من جهته، نوه عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية صلاح اليوسف بالإنجاز الذي تحقق بتسليم خالد مسعد بهدوء ومن دون أن تسجل أية تفاعلات تُذكر. ورأى أن مخيم عين الحلوة أثبت بذلك أنه لم ولن يكون حاضناً لأي مجموعة أرهابية تسيء للأمن القومي اللبناني. وقال «هذا الإنجاز الكبير يصب في مصلحة أمن واستقرار كل المخيمات، والخطوة لاقت ارتياحاً فلسطينياً واسعاً».