نادر حجاز (المدن)
دفعت بلدة صوفر الثمن الأغلى في الحرب، الذي دمّر أجمل ما فيها وعاث خراباً بزواياها الأنيقة وفنادقها الفخمة ونسيجها الاجتماعي المميز. فعلى عقدة مواصلات أساسية بين الشام وبيروت، وبين المتن والشوف، بدأت الحكاية من عين صوفر، أول معلم في ذلك المنبسط المستطيل، الذي كان محطة للقوافل العابرة من بيروت إلى البقاع والشام، إلى جانب أهميتها المناخية والسياحية. وزادها أهمية تطور المواصلات، في أواخر القرن التاسع عشر، إذ شُق طريق العربات بين بيروت ودمشق. ولاحقاً، في العام 1895، أنشئت سكة الحديد، التي كانت محطتها فيها.
إلا أن التحوّل الأهم كان مع بناء فندق صوفر الكبير، في العام 1895، الذي فتح أبوابه للنزلاء قبل تدشين خط سكة الحديد بسنوات، كما يؤكد لـ”المدن” الباحث التاريخي هشام شيا. وقد أمنت هذه السكة راحة أكبر وتوفيراً في الوقت لقاصدي الفندق، خصوصاً أن محطة صوفر أنشئت على بعد عشرات الأمتار، بموازاة الفندق الكبير، ومحاذاة طريق العربات.
وكان مالك الفندق إبراهيم سرسق قد استقدم مهندسين ومختصين من إيطاليا وفرنسا، مشيداً الفندق على الطراز الإيطالي، ليضاهي قصور توسكانا. فتألف من أربع طبقات، تضم 75 غرفة وجناحاً. وضمت الطبقة الأولى نادياً لرياضة التنس ومطاعم وقاعة كبرى للحفلات، وأخرى خاصة بالاجتماعات واللقاءات الرسمية المهمة. وأول كازينو في لبنان والشرق.
الحديث عن فندق صوفر، الذي بات اليوم مجرد أطلال وعقار مخرّب، بعدما تحول إلى مقر عسكري إبان دخول الجيش السوري، يمكن أن يختصر جزءاً كبيراً من دور هذه البلدة ومكانتها في تاريخ لبنان. إذ استضاف الفندق اجتماعات مهمة، أبرزها الاجتماع العربي، في العام 1944، الذي انبثقت عنه اللجنة العربية العسكرية المشتركة، التي أسست لقيام جامعة الدولة العربية. واجتماع اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية، في العام 1947، لدراسة تقرير لجنة الأمم المتحدة بشأن تقسيم فلسطين. وشهد الفندق مؤتمرات عدة على المستوى الإقتصادي والاجتماعي والعلمي، منها مؤتمر المغتربين اللبنانيين في العام 1960.
واستضاف الفندق كبريات الفرق الموسيقية والغنائية العالمية، بالإضافة إلى الحفلات الراقصة الكبرى، التي كانت تستقطب أبناء الطبقة الأرستقراطية. وكان للفنانين اللبنانيين والعرب حيز في نشاطه الفني أيضاً. مثل محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، أم كلثوم، ليلى مراد، سامية جمال، صباح، أسمهان، سميرة توفيق وغيرهم.
أدى تشييد فندق صوفر وازدهاره إلى تطور صوفر، وشجع العائلات الأرستقراطية على المجيء إليها وبناء قصور فيها، قد يكون أشهرها قصر الدونا ماريا سرسق. فتحولت صوفر إلى مركز اصطياف أساسي ليس للبنانيين فحسب، إنما للمصريين والسوريين والعراقيين والفلسطينيين أيضاً، ولاحقاً للخليجيين الذين استمروا بالمجيء إلى صوفر حتى بعد انتهاء الحرب.
إلا أن الواقع الديموغرافي، في صوفر، شهد تحولاً جذرياً بعد الحرب الأهلية. فالعائلات التي جاءت إليها من القرى المجاورة للعمل في زمن النهضة، أصبحت نواة المجتمع الجديد، وقادت الحركة العمرانية والتجارية والانمائية، والعمل البلدي، لاسيما بعدما غادرتها العائلات الأرستقراطية، التي جاءت مطلع القرن العشرين، وأهمها سرسق وثابت وغيرهما.
ورغم حفاظها على مكانتها كمركز اصطياف، إلا أن صوفر خسرت موقعها السياحي. ما يشكل أولوية عند البلدية، التي يكشف رئيسها كمال شيا، لـ”المدن”، عن مشروع مهم يتم درسه جدياً. وهو إنشاء منتجع سياحي صيفي وشتوي على قطعة أرض تملكها البلدية وتطلّ على وادي لامارتين، على أن يتم فتح مناقصة تكفل تشييد منتجع 5 نجوم، قادر على إعادة بعض من وهج أوتيل صوفر الكبير في أواسط القرن الماضي.
ويشير شيا إلى مشروع تسعى إلى تنفيذه البلدية، لكنه يتطلب دعم وزارة الأشغال، ويتمثل بترميم محطة القطار. إذ لايزال المبنى قائماً، كما المقاعد الخشبية القديمة وخزان المياه، على أن يحول إلى معرض أو مركز لإقامة النشاطات. وهو يؤكد وجود نية لدى أصحاب الفندق الكبير وقصر الدونا ماريا بترميمهما، لكن وفق الجدوى الإقتصادية التي يرونها مناسبة.
ويربط شيا تطوير السياحة في صوفر بخلق فرص عمل من خلال المنتجع السياحي وربطه بالكورنيش، حيث يمكن استثماره في أكثر من وجهة إقتصادية وسياحية وبطريقة منظمة. ويشدد على أن جهداً كبيراً ينصب اليوم للحفاظ على بيئة صوفر ونظافتها، لانشاء مشاريع بيئية ورياضية كتأهيل Bike track في منطقة موازية للطريق العام على طول خط سكة الحديد القديمة. ويجري العمل حالياً على انشاء الحاضنة الطبيعية لسوسنة صوفر، بالتعاون مع الجامعة اليسوعية وجمعية اليد الخضراء.