كامل جابر
بهدوئه المعتاد، من دون ضجيج سياسي أو انتخابي، حوّل علي محمد حسين “الخيامي” جزر الطرقات وجوانبها في بلدة كفررمان (النبطية) إلى واحات من الزهر والعطر باتت تسلب العابرين من أول البلدة حتى آخرها، خصوصاً عند تقاطعات الطرق فيها.
مجهود فردي تفوّق على نقص بلدي عانته كفررمان منذ أمد طويل، إذ كانت هموم من في البلدية تنزح بغالبيتها باتجاه النفايات وتشعباتها ولم تنجح، فيما البلدة تعاني من انتشار النفايات وروائحها، ومن تردي أوضاع المياه والكهرباء والجحيم الاقتصادي والتراجع الزراعي، إذ كانت كفررمان بلدة زراعية بامتياز، ناهيك عن الطرقات “الخربانة” أو المُصادَرة من أصحاب الدكاكين والمتاجر والمؤسسات.
وحده علي حسين في هذا التخبط الخدماتي المتشعّب يستحقّ لقب “رجل الزهر والعطر” في كفررمان، إذ جعل من جزر الطرقات المطمورة بالركام والأوساخ أحواض زهر، حفَرَها وحرَثَها ونكَشَها وترَّبَها ثم زَرَعَها بالورود المتناسقة ألوانها بين الأبيض والزهر الليلكي، المكللة بكؤوس الزهر المتفتحة مجمل أيام السنة.
مشروع علي حسين البيئي والطبيعي بدأ منذ نحو خمس سنوات، “ليس بعيداً عن بلدية كفررمان، إذ أرجع إليها في كلّ ما أقوم به كونها المسؤولة عن الأمكنة التي أزرع فيها وساعدتني في تأمين مصدر للري” يقول الخيامي. أما البداية، فكانت من مستديرة وسط كفررمان زرعها بالورد “الجوريّ” وغيرها من الأزهار وبالعشب الأخضر وراح يرعاها ويرويها معزّزة بالإنارة الليليّة حتى باتت واحة من واحات الجمال في وسط البلدة.
ثم أخذ علي حسين يتنقّل من جزيرة إلى أخرى ويزرعها بأزهار “فينكا” vinca flower التي أتى ببذورها من أصدقاء يهتمون بالأزهار، وزرعها في مشاتل خاصة وراح ينقلها شتولاً إلى جوانب الطرقات وأواسطها ليزرع منها أكثر من عشرة آلاف شتلة، “الزراعة والري والاعتناء بها على نفقتي الخاصة” يقول رجل الزهر.
لم يقتصر اهتمام “الخيامي” على هذه الزراعة ومتابعتها، بل صار يأتي بعمّال للتنظيف فيها وحولها من النفايات والعبوات الفارغة وأعقاب السجائر المرمية يومياً من السيارات العابرة، من دون أن يرفّ جفن للفاعلين وهم يرون تنامي الأزهار وانتشارها.
لم يتدخل صاحبنا في التوزيع “السياسي” لبعض الجزر التي تنتشر فيها أعلام حزبية وصور للسياسيين وغيرهم، “كان كلّ همي كيف أحسّن المنظر العام لمداخل البلدة وأحوّلها إلى جنائن خضراء وملونة. هناك بعض العقبات سرعان ما بدّدتها من خلال حسن النّيّة والمشهد الخلاب الذي عاينته لاحقاً المرجعيات السياسية والحزبية”.
لا ينفي حسين التعب في رعاية ما قام به بعدما زرع في كفررمان نحو 15 روضاً “فأنا في كثير من الأحيان أترك عملي لأتفقد هذه الجنائن وتأمين مياه الريّ لها والعناية المستديمة، وقد قمت بتمديد شبكة ريّ مدروسة تروي الشتول بالتنقيط، ما جعل الزهور تنمو بسرعة وتمنح الناظرين أجمل صورة وأنظف عطر”.
يشهد “دوّار” كفررمان ازدحاماً دائماً ينفذ معه صبر السائقين والعابرين، لكن تحولت زهور علي حسين، أخيراً، إلى مهدّئ أعصاب، يكفي من خلال النظر نحوها وتناسقها ونموها اللافت، لنسيان فوضى القيادة والازدحام.