كامل جابر
اعتاد معظم اللبنانيين، في كثير من المحطات والمِحَن، رمي همومهم على غيرهم، مرة على دولتهم وسلطاتها ووزاراتها، ومرات على الطليان. ولا يعني ذلك أن الدولة والبلديات غير مقصرة في كثير من واجباتها وأعمالها ومشاريعها التي توزع محاصصة وبالتراضي، فتنفذ هشّة منقوصة الشروط والمواصفات، وقد كشفت العاصفة الأخيرة “نورما” عورة الكثير من المشاريع التي أغرقت قرى وحولت الشوارع والطرقات إلى أنهار ومستنقعات.
“أبو جاد الزوطراني” الأسم المحبّب إلى الفنان التشكيلي الدكتور حسين ياغي (زوطر الغربية- جنوب لبنان) لم يرمِ همومه على بلدية قريته الوادعة على ضفة من ضفاف نهر الليطاني، ولا على الدولة وتقصيرها، ولم يجلس في بيته يلطم خده بانتظار “الفرج”، بل راح في أيام الصفو والعمل يحوّل حقوله إلى أراض صالحة للزراعة، واقتطع قسماً منها ليجعله بركة شبه طبيعية بين صخور قابلة للتخزين، وفعلاً كان ينتظر على أبواب كل خريف وشتاء هطول خير السماء لتمتلئ بركته بما يساعده صيفاً على ريّ أراضيه بدلاً من شراء المياه أو نقلها مسافات صعبة من النهر المجاور لقريته من حدودها الجنوبية.
تبلغ مساحة البركة نحو ألف متر مربع وعمقها حوالي عشرة أمتار “حفرتها الآليات بكلفة معقولة. فيها اليوم ما لا يقل عن 5000 متر مكعب من المياه المجمّعة من المطر، منذ بدء هذا الفصل الشتوي”. يقول ياغي ويردف: ” تستعمل هذه المياه في ريّ المزروعات ومن الممكن تنقيتها واستخدامها في الخدمة المنزلية وحتى في الشرب لأنّها خالية من التلوث الكيميائي والجرثومي. أمّا اللون الأحمر الظاهر فناتج من اختلاط المياه بالتراب التي سرعان ما تصفو بعدما يرقد التراب في القعر. والجدير بالذكر أن هذه المياه كانت ستذهب هدراً، حتماً، لو لم يتم تخزينها”.
إنها ثقافة الفعل والمبادرة والإنتاج في مواجهة ثقافة الشتم واللطم. ولتأتي نورما وأخوات نورما، فنستفيد من خيراتها، بدل الشكوى والبكاء على الأطلال…
اليوم وبعد أن غمرت المياه بركته إلى حدّ السطح، شكراً لك “أبا جاد” على احترامك لعطاء أرضك وما يمكن أن تدره من خيرات، ولعطاء السماء الذي يذهب جلّه إلى البحر، لنقص في المبادرة والتقدير عند الدولة والبلديات، وقبلها عند الناس أنفسهم.