كامل جابر
كان يكفي أن يقف في مطلع حي السراي في النبطية، وأن يصرخ بأعلى صوته: “حرّيّة، حرّيّة” حتى تمتلئ ساحة النبطية بالمعلّمين وبأبناء المدينة من مختلف فئاتهم الاجتماعية والمهنية والحرفية ومن تجّار، وتنطلق التظاهرة، في الشوارع يعتليها صاحب النداء عادل صباح..
وعادل الصباح، هذا المناضل العتيق، كان صاحب تجربة ثورية، منذ حداثة عمره، ففي معركة الاستقلال، كان في طليعة مقتحمي مركز الأمن العام الفرنسي في النبطية وهو من مزق علم الانتداب.. ثم يطول البحث في تجارب عادل صباح النضالية، وقد حمل كتابه “عادل صباح، مذكرات وشهادات” حيّزاً من هذه البصمات المشرفة في النضال إلى جانب المعلمين والفلاحين، وخصوصاً مزارعي التبغ، وإلى جانب الفئات المحرومة المظلومة، وكان في خلال هذه المواقف التي رافقت عمره، ربما من لحظة ولادته في العام 1924 وحتى تاريخ رحيله في الثامن من حزيران 2008، يمكن أن نطلق على النبطية “مدينة عادل صباح” ليس لأنه صاحب جاه ومتموّل أو نسيب السلطة والدولة أو احد الناعمين من خيراتهما، من قريب أو بعيد، أو في موقع سلطة دينية ما، بل لأنه شكّل في ممارسته العملية الحقيقية الوجه الثوري والعادل للنبطية وأبنائها، وكان يمكن أن تجده في أيّ أزمة أو عدوان أو انتفاضة، إلى جانب الناس، والناس فقط، حتى لو تمرّد أحياناً على انتمائه الحزبي، وهو لم يفعلها مرّة، إذ كانت هوية حزبه الشيوعية إلى جانبه، إذ لزمها ولزمته بمعانيها الإنسانية الحقيقية…
نعم، كانت النبطية، تشبه عادل صباح، وكانت هي كذلك تشبه عادل صباح في كلّ شيء، في أزمات الطحين والخبز والبنزين والمازوت والكهرباء والماء، وأكثر من ذلك، في حقّ الناس بالكرامة والعيش الكريم… ناهيك عن وجهها الثقافي والإنساني المشرق، وفي النضال إلى جانب فلسطين وقضايا أهلها.
تفتقدك النبطية يا عادل صباح “خيّ العامل والفلاح” في زمن يقف كثر في مواقع السلطات المختلفة في النبطية وفي الوطن، متفرجين على “ذلّ” الناس في الدواء والكهرباء وفي طوابير محطات الوقود، وبحثاً عن مدخرات العمل التي قبضت عليها المصارف وحرامية الدولة ممن فاق تعدادهم عدد حرامية رواية “علي بابا” الأربعين.. ونخبرك في ذكرى رحيلك الثالثة عشرة، أن المتفرجين على ذلّ ناسك وشعبك وأهل ميدنتك ينعمون هم وأبناؤهم بالمال و”راحة البال” وبموائد الجاه والرفاه، متظللين بنعيم السلطات السياسية، وبناهبي خيرات الدولة…