كامل جابر
حسام يا حسام…
يكوي الألم قلوبنا، فلماذا تفعلون بنا كلّ هذا؟
لم نصدق، نحن وأياك، من سنة وشهر بالتمام والكمال رحيل عزيزنا الفنان المبدع الصديق علي بدر الدين “الديك” وقلنا: “عزاؤنا برحيله إننا نراه في وجهك!”، أخبرني الآن: بوجه من بعد اليوم، سنراكما؟ لقد تخلّيت عنّا باكراً وانتقلت إلى جواره، ما هذا الحبّ وهذه الزمالة وتلك الرفقة، بدأت منذ سنيّكما الأولى وانتهت في زمن متقارب؟ كثيرً علينا هذا!.
في تفاصيلك الخاصة، عاندتَ المرض، ولازمتَ التعبَ وهجرتَ الرّاحة والطعام، وسَاكنت السيجارة… فمن أين لجسدك النحيل كلّ هذا الاحتمال؟ كأن كان ينقصك أن تنقلب بك السيارة، لتجعلك على سكّة الرحيل بعد ثمانية أيام من الحادثة…
عزيزي حسام جواد الصباح، لن أجد أيّ كلام يرثيك، أو يحكي عن مسيرة طويلة رفعتَ بها اسم مدينتك النبطية عالياً، بل اسم وطنك لبنان عالياً، بل رفعت قلوبنا لتجعلها تحلّق في مجد النجاح والتألّق مزهوّة بأعمالك، من المسرح إلى السينما إلى التلفزيون، إلى مسرح الفضاء الواسع عاشوراء… لن ترمح الخيل بعد اليوم أو تصهل، مثلما كانت في ظلال هالتك ولمساتك وإخراجك…
قلت فيك مرة، ونحن نكرّمك في العام 2011 (15/10/2011) في قلب مدينة النبطية، في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي: “كيف أستطيع أن أنير نجمة في سماء حسام الصباح، وأنا جُرم بين كواكب تشعّ الفنً، التقت ها هنا في عيد الفنان الشامل المتواضع، فيما يسطع دويّ عطائها في كل الأرجاء؟ لكن حسبي في الكلام أنه سيصبّ هذه المرة فقط في تقديم الفنان الرائع حسام، كما يقدّم الجدول النهر، ليذوب فيه.
خيّال عصامي من منبت هذه الأرض الجنوبية، النبطانية، يتحدّر من عائلة لا تحتاج إلى تدليل وتعريف، وينبثق في الوقت عينه من معين ثقافي لعب حسام الصباح دوراً ناجعاً في صقله وبلورته ورفده بالعلم والكفاح والاطلاع، مع استناده طبعاً إلى موهبة فطرية اكتشفها باكراً أولاد الحيّ، ثم البيئة المحيطة وأنديتها الثقافية، لا سيما نادي الشقيف، فالمنتديات المسرحية والتلفزيونية الأوسع في لبنان والعالم العربي.
هو تارة الممثل المطل في دور بسيط ليسجل فيه حضوراً لافتاً، وأخرى، لاعب رئيسي في عمل مسرحي يدرك كيف يُدخله، أي الدورَ، إلى العقول والنفوس ليسجل حضوراً ربما لن يجيدَه إلا حسام الصباح بحد ذاته؛ ولا يغيبُ كثيراً عن الكواليس ليديرَ إخراجاً، عملاً من هنا ومسرحاً من هناك، ثم تحت قبة السماء، تراهُ يرمحُ على بيدر النبطية ليدير واحدة من عشرات المحاولات في إيجاد تشخيص مسرحي لائق لموقعة عاشوراء، في قالب يستطيع أن يخرجَ عن السائد الموروث ويستندَ إلى خبرة الأداء والنُطق ليصلَ في قالبٍ ثقافي حضاري إلى المشاهد والمستمع، وها هو وسط معمعة الرماح المنهالة من كل حدب وصوب، لم يهدأ أو “يكنّ” ولم يزل يحاول، فليُعِينُه الله.
صديقي الفنان حسام الصباح.. ارقد بسلام، فالموت لا يوجع الموتى، ولنركن نحن إلى وجعنا، بعدما تركتموننا، أنتم المثقفين الفنانين العظماء البسطاء أبناء المدينة التي تشبهكم، على قارعة الرصيف، ولمّا نشبع بعد مما قدمتموه من غذاء ثقافي وفكري وروحي وبصري ووجداني ومن تواضع لن نعهد مثله…
توفي حسام جواد الصباح صباح اليوم السبت في 29 أيار/ مايو 2021 عن 73 عاماً، متأثراً بإصابات وجروح إثر انقلاب سيارته على طريق النبطية الزهراني بتاريخ 21 أيار/ مايو 2021…