عن 75 عاماً، طوى العلامة القاضي السيد محمد حسن الأمين صفحات مجيدة من الإمامة المعتدلة المنفتحة، والقضاء الصائب الرحيم، والفكر القويم، والثقافة الجامعة أدباً وشعراً ولياقة حديث جاذب مبهر، فضلاً عن صداقات واسعة في كلّ اتجاه تخطت الأزمنة والأمكنة..
نستسلم لقدر الموت وحتميته، لكن الخسارات تقع لا محالة، وخسارتنا برحيل العلامة السيد حسن الأمين قبل أوان الرحيل، لا تعدّ أو تحصى، إذ نفقد اليوم رجل علم وحوار يسّر الدين لهما، وصاحب عمامة بريئة من ذنوب السياسة والإقطاع بكل أشكاله، حديثه وقديمه، وصوتاً مدويّاً للحق كنا نلجأ إليه كلما أحسسنا بسيادة الحرمان والظلم، ومنطق القوة والعنف، ووهن الثقافة وتأرجح الاعتدال..
وكتب فيه الصديق السيد ياسر إبراهيم: “عندما يرحل العظماء تنقص الأرض من أطرافها، وتنطفئ منارة كبرى كانت ترسل إشعاعات خيرها ونورها في ربوع العالمين. عندما يرحل العظماء تنفطر لذهابهم القلوب، لكونهم حماة الأمّة وركنها الركين، وصمام أمن قيمها ومبادئها التي ترتفع بها إلى مصاف الأمم الخالدة ذات الإسهامات الكبرى في حياة البشرية.
لا نرثي اليوم رجلاً عادياً أو شخصاً عابراً أو حتى أحد رموز الأمة المترامية من المحيط إلى المحيط..
نقف اليوم بمشاعر عميقة تشتعل فيها الحسرة والألم في موقع رثاء رجل بأمة.. رجل أحيا شعبه الذي افترسته وحوش التغريب والتحلل القيمي والعقدي في حقبة الحداثة الزائفة، وعمل ليل نهار لخدمة قضايا أمته التي تآمر عليها القريب والبعيد، في زمن التبعية والهوان والردة عن المبادئ الناصعة والمعاني الجميلة. رحمك الله تعالى واسكنك فسيح جناته وعظم الله لكم الاجر والثواب”.
ولأن الكلام على القاضي العلامة السيد محمد حسن لا يفيه مقاماً وفعلاً وإرثاً، نستعير في موقه “هوا لبنان” بعضاً من سيرته الدينية والعلمية والإفتائية، مع الاشارة إلى أنّ السيد الأمين غاب مساء أمس السبت في 10 نيسان/ أبريل متأثراً بجائحة “كورونا” التي ألمّت به منذ نحو اسبوعين، قبل أن يخذله قلبه أمس.
العلامة السيد محمد حسن الامين*
ولد العلامة السيد محمد حسن الامين، في بلدة شقرا قضاء بنت جبيل سنة (1946)- 1316هـ). والده السيد علي مهدي الأمين.
وتابع دراسته الابتدائية والمتوسطة في بلدته في الوقت الذي كان يتابع فيه دراسته على والده في علوم اللغة والنحو والصرف والمنطق. وثمّ هاجر إلى النجف عام 1960، فدخل كليّة الفقه وتخرّج منها في العام 1967، وتابع دراساته العليا حتى العام 1972، حيث عاد إلى جبل عامل وسكن في بلدته شقراء حتى العام 1975.
القضاء الجعفري
دخل السيد الأمين سلك القضاء الشرعي الجعفري عام 1975، ثمّ عُين قاضياً في مدينة صور حتى عام 1977 حيث انتقل إلى مدينة صيدا وبقي رئيساً لمحكمتها حتى سنة 1997 حين نُقل إلى المحكمة العليا مستشاراً وما زال حتى تاريخ رحيله.
نشاطه الأدبي
قال عنه السيد حسن الأمين في سياق ترجمة لوالده: ”سلك طريق والده في طلب العلم وتخرّج من معاهد النجف،…. شاعر مبدع وأديب بارع، خير خلف لخير سلف”.
كتب الشعر في فترة مبكرة من عمره. وشارك في إصدار وتحرير (مجلة النجف) مع نخبة من الأدباء، وله كتابات فيها. وشارك في إصدار وتحرير (مجلة الكلمة) في النجف، وله كتابات فيها. وكتب العديد من المقالات في مجلة “عبقر” أيام تواجده في النجف.
مؤلفاته
من مؤلفاته:
- الاجتماع العربي الإسلامي
- نقد العلمنة والفكر الديني
- بين القومية والإسلام
- الإسلام والديموقراطية
- مساهمات في النقد العربي
- وضع المرأة الحقوقي بين الثابت والمتغير
- حقوق وواجبات المرأة المسلمة في لبنان (مع آخرين).
- الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر
- سمو الذات وخلود العطاء.
*المصدر: (موقع جنوبية)
المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى
ونعى رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان في بيان، الى المسلمين بعامة واللبنانيين بخاصة “فقيد العلم والعلماء المفكر الإسلامي والاديب العلامة العلم السيد محمد حسن الامين عن عمر ناهز 75 عاما قضى معظمه في خدمة الدين والمجتمع وتبليغ الاحكام الشرعية ودعم القضايا المحقة للشعوب المستضعفة؛ وأسهم الراحل الكبير في تعزيز الحوار والانفتاح بين التيارات الفكرية والثقافية المتنوعة خدمة للوطن وشعوب الامة”.
وتابع البيان: “كان العلامة الأمين رجل علم وفكر، وداعية حوار وانفتاح، عرفنا فيه مزايا العالم العامل نصرة لقضايا الوطن وشعبه والتزاما بقضايا الامة وشجونها، وفي طليعتها القضية الفلسطينية التي سكنت في عقله وقلبه، ولقد أغنى المكتبة الإسلامية بأبحاثه ومؤلفاته التي اشتملت حقول المعرفة والعقيدة والادب والفكر. وخسرت الحوزات والمراكز الدينية ومنديات الفكر والحوار والثقافة برحيله عالما جليلا واستاذا باحثا ومفكرا فذا”.
يشيع الجثمان عند الخامسة من عصر اليوم الاحد في بلدة شقراء الجنوبية.
وقد نعاه المجلس الإسلامي العربي :
“إن المجلس الإسلامي العربي ينعى إلى الأمة الإسلامية فقيدها الكبير فضيلة العلامة المتنور القاضي السيد محمد حسن الأمين الذي توفاه الله بعد معاناة مع كورونا، نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جنته.
وفقيدنا العلامة القاضي غني عن التعريف، فقد بلغت شهرته الآفاق، وترك اسمه علماً بارزاً في سجل نهج الاعتدال والوسطية، وله جهود وطنية وعربية وإسلامية مشكورة في جمع الكلمة وتوحيد الصف والتقريب بين المذاهب وحوار الأديان، إن المصاب بفقده جلل، نسأل الله أن يعوض المسلمين خيراً.
ونحن في المجلس الإسلامي العربي في لبنان إذ نعزي أنفسنا بفقيدنا الكبير، نتوجه بالتعزية لأسرته الكريمة، جمع الله لهم بين الصبر والأجر، سائلين المولى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته مع الربانيين والعلماء العاملين، وأن يجعل ما قدمه لهذه الأمة في سجل حسناته وأن يعوّض المسلمين خيراً، إنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل.
محمد علي الحسيني
أمين عام المجلس الإسلامي العربي
بيروت الأحد ٢٨ شعبان هـ الموافق ١١ آذار ٢٠٢١م”