حسين سعد
في وداع المربي الصديق و”الرفيق” والزميل احمد فقيه، تتعثر الكلمات والعبارات والفقرات. يحضر في البال، يوم كنّا ننصت وهو يشرح الدرس في مدرسة طيردبا الرسمية، ثم كبرنا، والتقينا في باع مهنة الصحافة في مطلع تسعينات القرن الماضي، إذ كان متحمّساً لعمله الصحفي في صحيفتي “اللواء” و”الديار” إلى حدّ الشغف، وكاد أن يستشهد في احدى الغارات الاسرائيلية على مقرّ فدائيّ في الشبريحا (صور)، حيث تضررت سيارته المتواضعة (في حينه).
شكّل عمل الإعلامي احمد فقيه ابن بلدة طيردبا المتداخلة جغرافيّاً وثقافيّاً مع مدينة صور، الى جانب مهنته الأساسية في التعليم الرسمي، وقبلهما في خلال وُلُوجه حتى العظم في الانتماء الى “حزب العمل العربي الاشتراكي” (أحد أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية) مدرسةً متكاملةً في الحياة، بكل مضامينها ومعانيها، بحلوها ومرّها.
في العقد الاخير من مهنة التعليم، وكان قد هجر متاعب الصحافة، انتُدب إلى الإرشاد التربوي، فكان نموذجاً في الاداء والممارسة، وقبل سنة (2020) تقاعد “أبو يوسف” من سلك التعليم بعد أكثر من أربعين عاماً، فتزامن تقاعده مع وباء “كورونا” الذي فرض التباعد الاجتماعي، حيث قضى تلك الفترة الفاصلة بين التقاعد ورحيله “اليوم” بعد معاناة مع الوباء المتسلّل الى رئتيه، في ممارسة المشي المتقطّع والقراءة، فطلب من أحد أصدقائه وهو يكاد يمنيّ الجسد من جهاز التنفس الاصطناعي في المستشفى، تزويده بأبحاث جديدة تحضيراً لرسالة الدكتوراه، لتكون رسالته الثانية بعد الماجستير التي كانت عن فكر “سارتر” بيد أنّه مضى دون تحقيق هذا الحلم.
ترافقنا مع احمد ابن العائلة المتواضعة، كغالبية عائلات بلدتنا التي انجبت مثقفين ومتعلمين وسياسيين وإعلاميين، مطلع العام 1992 في همّة إعادة تفعيل أول نادٍ في البلدة، “نادي النهضة الثقافي الاجتماعي” مع خيرة من أمثاله، فعملنا سوية في ترتيب وضع النادي وابتكار اجمل الانشطة الثقافية والتوجيهية، متابعاً في الوقت عينه هذه المهمة في “نادي التضامن” و”المنتدى الثقافي” في صور التي أحبّها وأحبّته بمقدار مسقط رأسه وروحه طيردبا.
الجميل في الصديق احمد، وكان يجمع صفتي الهدوء والعصبية في آن واحد، أنّه لم يقطع التواصل في عزّ الأزمات والاستحقاقات المحليّة في بلدته، ولم يستعدِ احداً، بالرغم من آرائه المختلفة أو المتباينة، محاولا البقاء على ضفّتي الحياد الايجابي.
فسلام الى روحك “أبي يوسف” والصبر والسلوان لعائلتك…
وقد نعى المجلس الثقافي للبنان الجنوبي “الناشط الثقافي والاجتماعي والسياسي أحمد فقيه، الذي يشكل رحيله اليوم خسارة كبيرة لا تعوّض، وقد دافع عن ناسه وبيئته مجتمعه من خلال كتاباته الإعلامية الموضوعية، وعزّز الحركة الثقافية في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي الذي انتسب إليه منذ أمد بعيد، وفي أندية صور، وكان بالغ الهمّة مقداماً ومحبّاً”.
وختم المجلس: “نتقدم من أندية صور وأهالي بلدته طير دبا ومن عائلته ببالغ آيات العزاء راجين أن يلهمنا وإياهم الصبر والسلوان”.