كامل جابر
الأحد في 4 نيسان/ أبريل 2021
كان يحلو لي مناداتها بـ”الست أم علي” حتى بعدما حجّت إلى مكّة المكرّمة. توطّدت علاقتي بهذا الوجه الجنوبي الحامل للطيبة والعنفوان والتصدي لشتى أنواع الضيم، من عدوّ أتى أم من صديق، منذ انخراطي في مهنة الصحافة، وسجّلت معها مطولاً حوارات حول انتفاضة مزارعي التبغ في العام 1973، إذ كان زوجها (الراحل) المعروف لكلّ كبير وصغير في كفررمان، جواد يوسف ظاهر، من المصابين والمعتقلين في انتفاضة الريجي الشعبية في النبطية،التي تكلّلت بالشهادة والدّم..
أجمل ما في حديث المناضلة لمية طالب ظاهر، هي لهجتها الجنوبية العفوية الثائرة على صنوف الاضطهاد، خصوصاً وهي تسرد مواجهتها لرجال الدّرك حينما أتوا لاعتقال زوجها على مشاركته في تحركات مزارعي التبغ، بل لقيادته التحرك في كفررمان والجوار…
لم يكن منزل “الست أم علي” مشرّعاً على صناديق التبغ وأوراقه فحسب، بل كان مضيافاً لكلّ قاصد باحث عن حديث للصحافة والإعلام عن معاناة زراعة التبغ واحتكار الريجي “والمخمّنين” و”المراقبين” و”الغرف العازلة” والكثير الكثير من المفردات والعناوين التي يعرفها المزارعون عن ظهر قلب، كمعرفتهم بعيالهم وأولادهم، ناهيك عن سيطرة وجوه الإقطاع وأزلامهم على الرخص وأفضلية التّخمين والتسليم… ومن غير “أم علي” أكثر سيدات كفررمان جرأة وتحدٍّ؟
لم يسكت صوتها عن أحاديث الحقّ، حتى في سنوات تقدّم العمر، ولم يذهب بهاءُ وجهها الحامل لسمات السماحة والحبّ، لا سيما بعدما اتّسعت العائلة وازدانت بالصبيان والبنات، والأحفاد والكنّات “البنات” والأصهار “الأبناء”، وصبرها على أوجاعها، والألم بعد رحيل “أبو علي جواد”، وقبله في بداية الحرب الأهلية اللبنانية باستشهاد صهرها سليم أبو زيد وأحد رفاقه غيلة في كفررمان من قبل جندي قيل انه “مختل”، ثم بأوجاع علي ويوسف..
أمس، رحلت المناضلة العذبة، الثائرة حتى الرمق الأخير، وبرغم فراقها المؤلم القدري، خلّفت أبناء وأحفاداً طيبين، سيحملون الكثير من سمات أمّهم وجدّتهم… ومن حشرجة صوتها عندما كان يهتف للحق والثورة على الظلم والحرمان…
أجمل ما في تجربتي الصحفية و”الإنسانية” أنني عرفتك صديقة وقريبة ووجهاً لن أنساه ما حييت..