كامل جابر
فلتسمح لي الصديقة الشاعرة نجوى القلعاني، أنْ أستعير منها تشبيهاً أطلقته على صورة خنسا نصرالله “موناليزا كامل جابر”، بعدما أيقنت أنّ أكثر من ستة أو سبعة تشكيليين قاموا برسم صورة خنسا، ولو بوجهات نظر مختلفة…
وحكاية خنسا، أنّها بقيت إلى آخر رمق من عمرها، تعيش الحياة القروية بجذورها واكتفائها، حاولتْ مرة أن ْتبدّل سراجها بمصباح كهربائي، فسارعت شركة الكهرباء إلى تسجيل محضر بحقّها، في وقت تسببت سرقة الكهرباء بمديونية وطن…
لم يغيّر غياب التيار الكهربائي شيئاً في “روتين” حياة خنسا نصرالله التي كانت تقارب 85 عاماً يوم صوّرتها، في بيتها القروي؛ فهي عاشت عمرها في بيت أبيها، في بلدتها حولا، المليَّس بالتراب والطين من دون كهرباء، أو اشتراك في الكهرباء أو عدّاد للكهرباء؛ ولم يفقدها هذا الأمر بعض حيويتها وروح المرح اللذين يكللان عقودها الثمانية. بل ظلّت تستنير من قنديل “الكاز” الذي انكسرت بلورته ولم تجد البديل، لندرتها وندرة استخدام “السراج” في القرى المتّكلة على نور الهداية والمحبة.
أما برّاد خنسا، فهو “الكَبكَة” المتدلّية من سقف البيت، من ستين عاماً أو أكثر، تضع فيها ما تيسّر من طعام يوميّ، أو “بقية تسدّ بعض جوع اليوم التالي، بعيداً عن غزو الهررة والقطط والحشرات”. أما في الشتاء، فالبيت القديم لم يتخلَّ عن “داخون” الزاوية الذي يشبه المدفأة الحجرية في أيامنا. كانت تقول: “أشعل فيه بعض الحطب الذي أجمعه صيفاً وأخزّنه في التبّانة؛ وهكذا لن يكون لمصلحة الكهرباء عندي دين، ولن أحتاجها في كهرباء لا تصل أصلاً”.
رحلت خنسا بعد عدوان العام 2006، ولم يتسنَ لها أن ترى كيف أصبحت صورتها ملهمة الفنانين التشكيليين، ممن رسموها، كلّ واحد على هواه، حتى أنّ أحدهم، منحها شيئاً من ملامح المرأة الفلسطينية، مع أن تلك الملامح تشبه إلى حدّ كبير ملامح الجنوبيّات، إذ يشربن جميعاً من بئر المقاومة والتصدّي والصمود…
نشرتُ صورة خنسا في كتابي “ذاكرة الجنوب عين واثر” الصادر بتاريخ 25 أيار/ مايو 2005 في الصفحة 135 تحت عنوان “خنسا نصرالله لم تبدّل قنديلها”. في هذه السنة قام الفنان الراحل الصديق فؤاد جوهر برسمها، واللوحة عندي هدية منه إليّ. ثم رسمها التشكيلي العراقي علي النشمي في العام 2008، وفي العام 2016 رسمها الفنان غاندي أبو دياب، والفنان السوري غسان شهاب، إلى العديد من الفنانين ممن بلغوا سبعة أو ثمانية، وربما يكون بعضهم قد رسمها ولم يصل إليّ إبداعه…
بتاريخ 07/12/2016 أصدرتها “جمعية بيت المصور في لبنان” بالتعاون مع “جمعية النجدة الشعبية اللبنانية” في النبطية، بطاقة بريدية (قياس 110×165 ملم) من ضمن ثلاث بطاقات صدرت في مناسبة أعياد رأس السنة والميلاد المجيد.
واستشهدُ هنا باعتزاز بما كتبته الشاعرة الصديق نجوى القلعاني: “نصادف في حياتنا بعض الأشخاص فنجدهم كصوت فيروز وتنهيدة القصب، فيهم من سحر النّجوم وأسرارها، ومن شتاءات الخير ما يروي عطشك لأزمنة لا تنتهي.. وفيهم من نذورات القدّيسين الخير والجمال والسر الذي لا يباح..
الفنّان والإعلامي “كامل جابر” هو هذا السّحر .. ” كامل” ليس إعلاميًا فقط بل فنانًا يدهشك بعينه حتى أنّك أحيانًا تسأل نفسك: هو من الجن أم من الأساطير؟ وكيف يصطاد هذا الجمال؟
ومن إبداعاته صورة إلتقطتها للسّيدة “خنساء نصرالله” من الجنوب . هذه الصّورة شدّت الفنانين التشكيليين فرسمها أكثر من ستة مبدعين … “موناليزا كامل جابر” ما سرّها يا ترى حتى باتت منهلا أو بالاحرى مُلكًا لأصحاب الرّيشة المبدعة؟!!
هل يكمن السّر في ” كامل جابر” أم المرأة نفسها؟ الفنان الذي يتجلى له النّور في الجنوب لا عجب أنّك كامل، فأنت جنوبي وفي الجنوب تجلى الرّب للمميّزين في صفائهم والمترفعين عن الصّغائر”.