كتب شربل فارس*:
ابو جميل وجه من نحاس
مات ولداه جميل وفارس وهو في الثمانين من العمر… تاركين له دمعتين يابستين على خدّيه، وحمارة عرجاء تقلّه الى الوادي، حيث يبكي عليهما، بحرّية، وبصوت عال دون رقيب او حسيب…
بمشاويره اليوميّة الى “محرابه الباكي”، وتحت اشعة الشمس الحارقة، تغيرت ملامح وجهه، ليتحوّل لون سحنته الى نحاس “جنزاري”، وانفه الى فرع سنديانة يابسة نخره السوس، وجبينه الى حجارة مبعثرة على رقعة من غبار. عبوسٌ لا يفارق حاجبيه، وعينيه، وبالرغم من الدمع الجاف، يقذفان نظرات حادّة وجارحة على كل من يترحّم على ولديه.
في الشتاء لا يخرج من بيته إلاّ نهار الأحد، ليحضر القداس شرط أن يكون الأحد مشمساً.. لكنّه، في أحد ماطر وعاصف، خرج من منزله متكئاً على عصاه، يجرّ رجله المتورّمة على طريق موحلٍ، يرسم بها خطوطاً تجريدية، حتى وصل بجهد الى باب الكنيسة، إذ توقّف ولم يدخل… أخرج من عبّه مسبحة الصلاة وحاول أن يصلي ” الوردية”… لكنه وبحركة مفاجئة أعاد المسبحة الى العبّ، وعاد الى بيته، ليركب على ظهر دابته قاصداً الوادي، يمخر عباب عاصفة هوجاء ومطر مجنون… ولم يعد إلاّ على أكتاف شباب الضيعة جثة هامدة… موحلة
*كاتب إعلامي رسّام ونحّات
وجوه من الذاكرة