بقلم المربية الرائدة الحاجة سلمى علي أحمد*
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ…﴾
خمسون وردة من عمر جمعية تقدم المرأة في النبطية تنثر عبقها هذا العام في فضاء البيئة الاجتماعية والثقافية والتربوية التي ولدت فيها وترعرت ونمت، وتمكنت خلال مسيرتها الرائدة، من بلوغ مراتب الصدارة بين الجمعيات النسائية الفاعلة على مستوى لبنان، وكذلك بين أترابها من جمعيات مختلفة في الجنوب اللبناني، وتحديداً في مدينة النبطية ومنطقتها…
إنه اليوبيل الذهبي لهذه الجمعية الرائدة التي حصلت على علم وخبر 525 أ.د في سنة 1970، في عهد وزير الداخلية آنذاك المناضل الراحل كمال بك جنبلاط. وكانت انطلاقة مجيدة بوتيرة متناسقة هادفة، بيد أنها لم تكد تحاول إثبات حضورها على الساحة المحلية والوطنية، حتى بدأت مدينة النبطية تتعرض للقصف الإسرائيلي المعادي منذ 1973، وما لحق ذلك من اعتداءات وتهجير للنبطية وبعض جوارها، فضلاً عن الحرب الأهلية التي ألقت بأوزارها على مختلف أرجاء الوطن سنة 1975، وكان لا بدّ لنا في الجمعية التي أردناها على صورة التقدم والحضارة، في سبيل رعاية الأمومة والطفولة والمسنين، وضمن إمكانات ضئيلة ومتواضعة جداً، أن نسير على “درب الجلجلة” التي لم تكن تخلو من الأشواك هنا، والعصي والعقبات هناك، غير أن العزم والإصرار عند مؤسِّسات هذه الجمعية، وعند هيئتيها الإدارية والداعمة، مكّنهن من إحالة الأشواك ورداً وزهراً، وتحويل الأرض البور، إلى حديقة غنّاء تنعم في صفائها براعم لأمهات عاملات وناشطات، وحقّقت لأطفال في عمر الرضاعة أحياناً كثيرة، أمومة مماثلة ورعاية مثلى في صفوف الجمعية وغرفها المتنقلة من مكان إلى مكان، بحثاً عن الأفضل والأكثر أماناً، ولكم تغمرني اليوم سعادة لا توصف عندما أرى فتيات وفتياناً حضروا إلينا منذ قرابة خمسين عاماً، في عمر الأشهر، وها أنهم اليوم صاروا أولياء أمور ويحتلون مواقع وظيفية وتربوية واجتماعية وفنّية متقدمة…
ليس الحديث عن الصعوبات التي اجتازتها جمعية تقدم المرأة في النبطية طوال نصف قرن، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من جمعية تتوالى عليها الانتخابات الإدارية ضمن الأطر الديموقراطية وتمتلك داراً متميزة وحضانة تشهد لها المنطقة بأسرها للأمهات والأطفال والمسنين، وتقدّم إلى بيئتها الاجتماعية والإنسانية نشاطات تربوية وثقافية وفنية ودورات في اللغة والأشغال والتعليم لا حصر لها، من باب منّة أو للتغني والتعالي، بل لأقول: “إن من سار على الدرب وصل، وإن شعبنا الوفي المناضل المقاوم، يستحق منّا كل تضحية واهتمام وأن نقدم له أفضل ما يمكن، إذا كانت قدراتنا العقلية والجسدية تستطيع إلى ذلك سبيلاً؛ ولكي تكون مسيرتنا حافزاً للمزيد من الالتفاف حول جمعيتنا، لطالما شهدناه طوال عمرها الذي بلغ هذه السنة، الخمسين، بكل محبة وحنان واهتمام، من أهل النبطية ومنطقتها وعلى صعيد الوطن، ومن الفاعليات المختلفة، حتى من سياسية وحزبية، ومن بلديات، لا سيما بلدية النبطية، ومن أفراد معينين وبحد ذاتهم لم يبخلوا بالغالي والنفيس حتى وصلنا وإياهم إلى ما وصلنا إليه اليوم…
أكاد أجزم أنني حملتُ المسؤولية في رئاسة الجمعية وإدارتها لسنوات طويلة بكل إرادة وبملء خاطري، بكلّ أمانة ومحبة ووفاء وجهد وسعي، وكانت إلى جانبي خلال هذه المسيرة الجليلة، ثلة من نساء رائدات، رحمة الله على بعضهن ممن انتقلن إلى جوار ربهن، والعمر الطويل إلى البعض الآخر، وربما نكون قد أخطأنا هنا أو قصرنا هناك، ومن لا يعمل لا يخطئ، وبالمقارنة مع كل الأوضاع التي مررنا بها خلال هذه السنوات الذهبية، نعتبر أن قراراتنا الصائبة التي ساهمت في إعلاء شأن الجمعية وصرحها التربوي الثقافي الاجتماعي، كانت أكثر بكثير من قرارات مقصرة، هذا إذا كانت هناك قرارات من هذا النوع…
فإلى أمهات النبطية والجنوب، مقيمات ومغتربات..
وإلى أمهات الوطن أنّى كنّ…
وإلى العائلات الوفيّة لمسيرتنا، نسائها ورجالاتها، إلى بلدية النبطية والفاعليات السياسية والحزبية المختلفة، والمؤسسات والجمعيات والسفارات الصديقة الداعمة والمشاركة، إلى الأصدقاء الداعمين بالحبّ والعطاء، أتقدم منكم جميعاً، باسمي وباسم زميلاتي وأخواتي ورفيقاتي في جمعية تقدم المرأة، لا سيما ممن يحملن اليوم المسؤولية الإدارية والتربوية بكل جدّية وحب وجهد وإخلاص، بجزيل الشكر على كلّ تعاون ووقوفكم إلى جانبنا ودعمنا بكل ما جادت به أنفسكم، وفي طليعة هذا، الدعم المعنوي الذي لولاه لما استطعنا من إكمال مسيرتنا الطويلة والوقوف بوجه التحدّيات والصعاب، متمنّية أن تبلغ الجمعية عمرها الماسي، ومن ثم المائة، والمزيد المزيد من العمر المديد، لكي تقدّم لأهلنا ومجتمعنا كل من نمطح إليه وكل ما يستحقون ويستحق من عطاء وحب ووفاء…
وتقبلوا مني، في العيد الذهبي، في هذه المناسبة السعيدة جداً على قلبي، فائض الشكر والحبّ، وكل عام ووطننا وجنوبنا و”نبطيتنا” وأنتم بألف خير.
نلفت الانتباه، إلى أن الجمعية بصدد إقامة احتفال خاص، في هذه المناسبة الجليلة، ودعوة جميع العضوات، (منذ نشأة الجمعية) وجميع الأصدقاء والصديقات لمشاركتنا هذه اللحظات التاريخية.
*مؤسسة الجمعية ورئيسة سابقة لأكثر من أربعين سنة