كامل جابر
للمرة الأولى منذ سنوات قد تساوي أعمارهم الشّابة، يستعيد شبان النبطية وصباياها شوارعها وساحاتها ويهتفون بحناجرهم الجريئة للثورة “ثورة ثورة ثورة”، وضد الفساد و”الشعب يريد إسقاط النظام” و”كلهم يعني كلهم” وتصدح أصواتهم للحرية والكرامة، من دون أدنى غطاء سياسي أو حزبي أو ديني، بعدا كانت ممنوعة عليهم تحت عناوين مختلفة، ومصادرة من قوى مختلفة…
ما لم يقله أبناء النبطية على مختلف أعمارهم، لا سيما الشباب منهم، والمراهقون، قالته أجسادهم التي كانت محبوسة مرة بهالات حزبية أو سياسية، ومرات بمحرمات دينية وعناوين تشرّع كبتها، وكانت معها شوارعهم وساحاتهم وأعمدة الكهرباء ومنشآت الدولة كلها، مصادرة من قوى فرضت عليهم قراراتها وعينت نفسها ولية أمورهم، تقفل طرقاتها وتعطل دورة الحياة متى شاءت أو قررت، وتمنع عنهم الفرح والرقص والمطالبة بما يجول في نفوسهم الطريّة النقيّة…
وها أنهم يرقصون، يتمايلون، يغنون ويهتفون، يتظاهرون ويتمردون على الفساد والكبت والمحسوبيات والظلم وغياب فرص العمل واشياء كثيرة قالوها تحت راية الوطن، العلم اللبناني فقط لا غير، ورددوها مع أغنياتهم الوطنية في فضائهم المطلق الرحب، من ساحة إلى ساحة ومن شارع إلى شارع، بحراك راق مؤدب منظم، لا يحتاج إلى سلطات عسكرية وحتى حزبية…
قد يظن البعض أن ما يجري مجرد “غيمة خريفية” وتعبر، لكن من لا يقرأ ما قالته الألسن والأجساد، لحظة غضب وثورة، فهو جاهل يظن أن الجبروت يدوم ويدوم ويدوم…