الى عبدالله المصري وكنان إدناوي.. لبنان بعلبكي ورامي خليفة/ مرسيل خليفة

مرسيل خليفة

 

الى عبدالله المصري وكنان إدناوي.. لبنان بعلبكي ورامي خليفة

 

عبدالله المصري

نصفّق لعبدالله الجميل نصفّق له دون تأويل، نحبّه ونحبّه اكثر لأنه ذهب بالموسيقى الى البعيد وانتصر على خوفه المراوغ.

وهذا الخوف الثقيل سكنه عندما زُجَّ به على طريق الحرب فقاومه بالأغنية والموسيقى وحمل غيتاره ضدّ الموت المتربّص بهشاشة البارود.

ولقد عثر على الطنين في ” كوز ” صنوبرات ” صليما وأدرك بحواسه وهي تملي على الموسيقى عفويّة مدهشة ومفاجئة.

فكيف ينام هذا الصبي في منام حسّه المرهف وفي اعمال الموسيقى، لا نعرف كيف حدث ذلك ومتى !؟

موهبة فطريّة تكرسّت في كونسرفاتوار تشايكوفسكي العظيم حيث صاغ الموسيقى من قسوة الحرب ودافع عن جمال عابر وعن حياة جميلة تعبر كالفراشة على سوار جسر خشبيً…

 

كنان إدناوي

صديقي ” كنان ” ذلك الطفل الأبديّ يفرّ بابتسامته الدائمة وهو يفكّ أصعب رموز النوتة المكتوبة لكونشرتو العود الجديد.

كل شيء في هذا الفتى وكل شيء فيه معدّ للعود.

استقبلته بيروت بليلة عامرة بالحب والموسيقى في لعب بريء وفي مهارة حادة وصارخة.
أخذ الكونشرتو من أَشْهُرْ في بوسطن، درسه بتمعّن وعزفه وتحرّر من البُنى الموسيقية العربية المحتقنة بالجمود ولم يكن منذ نعمة أظفاره شديد الاصغاءلذلك الصراع.

وانكبّ على درسه وحرَّر عزفه من التقليد في انسجام محكّم بين الجمالية والحب.
وكل ذلك كان كافياً لتطوير الاسئلة الاولى التي تمّت فيها ولادة الكونشرتو عبر استيعاب محاولات التجديد المتداخلة وتجاوزها.

صدى العود ذَا الرجع المتدفّق من الموسيقى والحب كان كافياً لتوليد الرغبة في ادراك نقاط التقاطع الغامض بين الفتنة والحداثة.

 

لبنان بعلبكي

من سنوات وانا أرافق ” لبنان ” في دراسته الأكاديميّة برومانيا، شاركت تأليفاً وعزفاً في حفلة تخرجه العلنيّة حيث كان الطقس ثلجاً.

هل كان ” لبنان ” يعلم أن بوسع عصاه الطريّة ان تعيد قراءة النص الموسيقي وتنجح في قيادته؟

كان حماسه يسبق وعي قيادته في تلك الحفلة الأولى. وبعدها عصت عصاه العادي وخاضت حرباً طويلة لإثبات فعاليتها وانتصرت في العبور الى اعمال كبيرة مع اوركسترات عالميّة.

تحيّة الى لبنان بعلبكي لا لأنه أول متخصّص في قيادة الأوركسترا في ” لبنان ” بل لأنه أمضى سنوات في البحث عن هويّة لعصاه لتتداخل مع ذاكرة وطنه الأم.

لقد ولد ” لبنان ” متورطاً بالفن كشأن عائلته الفنيّة : الرسم والموسيقى والعزف والغناء. يكفي ان يتذكر طفولة بيته ليرسم مع والده وأخيه أو ليغني مع شقيقته او ليرافق والدته او ليعزف لوحده على الكمان.

 

رامي خليفة

لا أعرف ماذا يعني الاقتراب الموسيقي من طفل عزف على البيانو قبل ان ينطق بحرف واحد والتحرُّر من مقارنات لا تسفر عمّا ينفع أفضل. ليست الأبوّة التي تسكنني محدّدة في أن أكون في قلبها او أكون في جانبها، وليس سهلاً عليّ حتّى لو كنت موسيقياً شارداً أن أجد نفسي مع رامي دفعة واحدة في جوليارد سكول بنيورك دون ان اضطرب وكأننا لم ننتبه كيف مرّت السنوات. لم أتعلّم الحكمة ولم يهجر الطفولة ولكن إغواء الموسيقى يحثنا على السير في طرقات غير معبدّة فيها الكثير من الحلم. ولم نفق من حلمنا هذا.

كان لأمسية بيروت طعم خاص حيث انها المرّة الأولى الذي يشارك ” رامي “الاوركسترا السيمفونيّة اللبنانيّة بعدما شارك عزفا وتأليفا مع كثيرمن اوركسترات العالم.

لقد تعلّم نوتاته الأولى هنا وما زالت صالحة للتعبير وكان صعباً الامساك بأولى النوتات فلقد اختلط والتبس البعيد على القريب. كان طفلاً هنا يبحث عن حواسه الموسيقية وكبر هناك يحمل وطنه في نوتاته.