عن 3 شبان يحترقون في سيارتهم والناس تتفرج “بلا حيلة”

أسرار شبارو (النهار)

استشرسَ شبح الموت على طرق لبنان، فالتهم بنيرانه ثلاثة شبان، بعدما انقلبت السيارة التي يستقلونها خلال توجههم الى عملهم قبل ان تشتعل في لحظات. لم يستطع احد الاقتراب وانقاذ حسين الحسيني وعلاء زياد عراجي ولؤي درويش، تفحمت جثثهم الى درجة بات من الصعب التمييز بينهم.

قلادة عرّفت بالجثة

من القلادة في رقبته والخاتم في اصبعه كتب لعائلة درويش التعرف على ابنها، وكما قال خاله قاسم لـ”النهار”: “كان لؤي في طريقه مع صديقيه الى معمل الشيبس حيث يعملون وذلك بعد اجازة عيد الفصح، وككل يوم عمل ينتظر مرورهما من منطقة برالياس الى المرج حيث ينحدر قبل ان يتوجهوا الى بلدة الفرزل مكان المعمل، لكن هذه المرة لم يكتب لهم الوصول، فحوالي الساعة السادسة والنصف صباحاً وقع الحادث في منطقة سعدنايل والذي لا نعرف اسبابه الى الآن”.

ابن الحادي والعشرين ربيعا فرح كثيرا بعدما توظف قبل ثلاثة اشهر، أراد الاتكال على نفسه، حلم بمستقبل جميل قبل ان تنتهي حياته بابشع الطرق ولفت قاسم: ” في الصباح قصدت منزلهم لاحتساء القهوة كان قد انطلق الى عمله، جلست مع والده، كانت شقيقتي خارج البيت، قبل ان نفجع بخبر وفاته”. واضاف: ” لم اصدق ان كبير عائلته المؤلفة من شابين وفتاة رحل بلا عودة، وما زاد الصدمة تشوه جثته وزميليه الى هذه الدرجة، تمكن شقيقه من التعرف عليه، وننتظر قرار القاضي لتسلمه من المستشفى الحكومي واكرامه بدفنه”.

لحد واحد لعلاء وحسين!

أكثر من 45 دقيقة احتجزت أجساد الشبان الثلاثة في سيارة الرينو التي يقودها الحسيني، قبل ان يتم انتشالها، رئيس بلدية برالياس مسقط حسين الحسيني (23 عاما) وعلاءعراجي (26 عاما)، مواس عراجي تحدث بأسى عن فقدان قريبه” الى الآن لم يتم التعرف على جثة علاء، والتمييز بينها وبين جثة حسين، لذلك سندفنهما في لحد واحد”. ولفت ” قبل عام ونصف العام بدأ عراجي العمل في معمل الشيبس، بعدما عمل لفترة مع شقيقه في محل الاطارات الذي يمتلكه، كان متحمسا جدا للحياة، اراد تحسين وضعه المادي، لكن للاسف لم يتوقع احد ان تكون حياته قصيرة الى هذه الدرجة، ويرحل من دون وداع اخيه واختيه”.

اعتاد حسين ان يمر على صديقيه كل صباح للتوجه الى العمل، وكما قال صديقه عماد “الحسيني شاب مكافح، وضعه المادي السيئ دفعه الى العمل في معمل الشيبس على الرغم من الراتب المتدني الذي يحصل عليه، لديه شقيق موظف في الامن العام وشقيقه تعمل في صيدليه، اما والده فيمتلك محلاً لتصليح الكهرباء”. وأضاف: “كان شاباً طموحاً يحبّ الناس، فقدانه خسارة لبلدة قب الياس وليس فقط لعائلته، فكل من عرفه يعلم جيّداً كم هو مقدام يساعد كل من قصده، تمنى الخير للجميع فمات من دون ان يتمكن احد من انقاذه وزميليه”.

اعتاد عداد الموت على الطرق ان يسجل بشكل شبه يومي أسماء ضحايا جدد، لكن ان يحصد ارواح الناس بشكل جماعي فذلك أمر يدعو الى التوقف عنده ومعرفة الأسباب التي تقف خلف تلك الحوادث في لبنان.

 

وتحت عنوان

لماذا احترقت سيارة الشبان الثلاثة.. بسرعة؟

كتبت لوسي بارسخيان (في المدن):

موتهم أقسى من فقر الحياة التي عاشوها (لوسي بارسخيان)

 

لن يعرف أحد ما حصل مع الشبان الثلاثة الذين قضوا في حادث سير مروع على طريق عام سعدنايل- زحلة صباح الأربعاء، في 19 نيسان. بل بالكاد تمكن الطبيب الشرعي علي سلمان من أخذ عينات من جثثهم التي تفحمت داخل السيارة لمقارنتها مع الحمض النووي لذويهم، استكمالاً لاجراءات تسليمهم إلى عائلاتهم الثلاث، التي “انكسر ظهرها” في هذا اليوم.
هم محمود لؤي درويش (19 سنة) من بلدة المرج في البقاع، علاء عراجي (23 سنة) وحسين الحسيني (27 سنة) من بلدة برالياس. اعتاد الشبان الثلاثة، وفق ما يروي أصدقاء لهم، أن يترافقوا صباح كل يوم إلى مركز عملهم في شركة “ماستر شيبس” في الفرزل بسيارة أكبرهم سناً، أي الحسيني. إلا أن الموت كان ينتظرهم هذه المرة في منتصف الطريق، عندما تدهورت السيارة وهي من نوع رينو كليو واشتعلت بسرعة فائقة، من دون أن يحاول أي من الشبان الخروج منها. ما يرجح فرضية فقدانهم الوعي اثر الحادث قبل أن يتفحموا في الداخل.

إلا أن السيارات لا تحترق عادة بهذه السرعة، كما يشرح مصدر أمني لـ”المدن”، إلا إذا كان فيها حمولة من نوع جرة غاز أو مواد سريعة الاشتعال. ويلفت المصدر إلى أن السبب الأكثر شيوعاً لنشوب الحرائق اثر الحوادث هو إما الاحتكاك الكهربائي أو احتكاك خزان البنزين بالأرض مع تولد شرارة. وهذا ما ترجحه مصادر الدفاع المدني في هذا الحادث، مستبعدة وجود أي مسببات خارجية لإحتراق السيارة، حتى لو كان الحسيني الذي يعمل تقني تبريد وتكييف في الشركة، ينقل عدة عمله، “لأن الغاز المستخدم في التبريد لا يحترق بسهولة”.

وكان الحسيني، كما يقول أحد أقاربه، قد سافر سابقاً إلى السعودية بحثاً عن دخل أفضل يؤمن له الزواج والاستقرار بعد تخصصه تقني تبريد، وعاد قبل سنوات ليكون بالقرب من عائلته. وقد بدأ يصب سقف منزله قبل أيام، من دون أن يتسنى له أن “يدعس” في عتبة البيت.

فيما كان علاء عراجي يبحث عن الاستقرار المادي عندما انتقل من تصليح الاطارات إلى العمل في شركة خاصة، وهو الابن الأكبر في عائلة فقيرة تتألف من شابين وبنتين، قدمت منزلها الذي لم تستطع أن تكمل بناءه إلى الهيئات المانحة كي تستكمل تشييده لتسكن فيه اللاجئين مؤقتاً. فيما محمود، هو أصغرهم سناً والابن الأكبر في عائلته، التي تتألف من شقيقين وشقيقتين، يحتاج هو وعائلته لكل قرش من أجل العيش بكرامة.

هو القدر الذي كتب للشبان الثلاثة، ليكون موتهم أقسى من فقر الحياة التي عاشوها، وقد تجمع ذووهم والأصدقاء في مستشفى الياس الهراوي، منتظرين الاجراءات القانونية والطبية لاستلامهم.