رحيل الفنّان المبدع عبدالله الحمصي “أسعد” في غربة عن “الدولة”

كامل جابر

نعى الوسط الفني في لبنان الممثل الكوميدي عبد الله حمصي، الذي توفي أمس الثلاثاء  بتاريخ 27 حزيران 2023 عن عمر ناهز 86 عاماً، كان حافلاً بالإبداع والتميّز، بعدما قدّم ما يزيد على 1700 ساعة تلفزيونية، أبرزها كانت مع “فرقة أبو سليم الطبل”، حيث قدّم شخصية أسعد (النعسان) واالتي لصقت به في مجمل أعماله الدرامية.

وقد شيع جثمانه في طرابلس اليوم الأربعاء، بعدما صلي عليه في المسجد المنصوري الكبير بمشاركة شعبية حاشدة، قبل أن ينقل جثمانه الى مقابر المدينة ويوارى في الثرى.

شارك في التشييع عدد من الفنانين ووجوه الشاشة الصغيرة تقدمهم الفنان صلاح تيزاني “ابو سليم” الذي رثى صديقه الراحل، منتقداً الواقع المأساوي وموجهاً رسالة إلى “اسعد الذي زرع الرياحين والكوميديا النظيفة الظريفة بين الناس”.

أعيد نشر مقابلة أجريتها معه في فرقة الفنون الشعبية، في مدينة طرابلس بتاريخ 20 شباط 2012..

 

عبدالله الحمصي“أسعد”: لم أعانِ من ظلم في حياتي مثلما عانيت من ظلم الدولة

كامل جابر

يكاد يكون أكثر الفنانين التصاقاً بالمسرح، فهو قلما يغادره إلا في حال “المرض” أو الالتزام بتنفيذ حلقة تلفزيونية أو إذاعية. بعد أكثر من 52 عاماً من العطاء الفني “الرسمي”، يتحدى عبدالله الحمصي، المعروف بـ”أسعد”، “العالم كله أن يكون فيه مسرحي عاش على نحو ما عشته أنا في المسرح، مذ كنت ابن خمس سنوات، وحتى الآن، انطلاقاً من هنا في طرابلس، ثم إلى كل لبنان والعالم”. هذا ما قاله لنا في اللقاء الذي جرى، في مقر “فرقة الفنون الشعبية”، في شارع الثقافة بمدينة طرابلس.

في كنف عائلة تتكون من 10 أولاد ولد عبدالله سليم الحمصي عام 1937، في حي الزاهرية في مدينة طرابلس. على مسرح مدرسة الزاهرية الرسمية، وقبل أن يتجاوز الخامسة من عمره، لعب دوره الفني الأول، طفلاً ينتحب جوعاً وينادي أمه الفقيرة أن تطعمه قبل أن يدخل إليها الخليفة عمر بن الخطاب “بعدها صرت أشارك في كل عمل في المدرسة، ثم رحت أجمع أولاد الحي لنقلد الباعة المتجولين بحركاتهم وأصواتهم، ونقدم أعمالاً مسرحية للنسوة، على أسطح البيوت، إلى أن رآني شقيقي الأكبر محمد، وكنت قد أصبحت في الثالثة عشر، فأخذني إلى فرقة “النفير” في كشافة الجراح، وكانت بقيادة صلاح تيزاني، الذي سيعرف لاحقاً  باسم (أبو سليم). إلى أن أنشأنا  في العام 1957 فرقة “كوميديا لبنان” وصرنا نؤلف عملاً مسرحياً كل سنة ونعرضه على أحد مسارح المدينة، في الإنجا والفرير وأمبير والكلية الإسلامية”.

إلى جانب هوايته في التمثيل، كان الشاب مولعاً بهوايتي السباحة ورياضة كمال الأجسام التي احترفها حتى حاز بطولة الشمال (1955). وها أنه يهجر مدرسته قبل أن يتقدم إلى الشهادة المتوسطة، فألحقه والده سليم بدكانه لصناعة القشدة، لكن ذلك لم يمنعه من مزاولة “هوسه” بالمسرح، وخفية عن والده. في آخر العام 1958 قدمت الفرقة مسرحية “المسافر” وهي من إعداد صلاح تيزاني، على مسرح مدرسة “الفرير” وكان من أهم مسارح المدينة، حضر المسرحية الراحلان عوني المصري وعبد الكريم عمر وقد كانا من الرعاة الأولين لانتشار الفن اللبناني في البلاد العربية، وكانا يقدمان أعمالهما باللغة العربية الفصحى “النحوي”. نصح الفنانان المتمرسان أعضاء الفرقة بالذهاب الى تلفزيون لبنان الذي فتح حديثاً ويستقبل الفنانين والممثلين على اختلافهم، وهكذا صار. “في التلفزيون قدمنا نصاً كتبه أبو سليم فأعجب اللجنة، ثم كان أن قدمنا “المسافر”، الذي أطلق شخصياتنا المعروفة: أسعد، أبو سليم، جميل (زكريا عراداتي)… وبعد نجاح العرض طلبت منا إدارة التلفزيون ان نستمر في تقديم العروض بالشخصيات التي أحبها الجمهور، وهكذا كانت بداية انطلاقنا، في العام 1960”. بعدها صارت الفرقة تقدم عملاً مباشراً على الهواء تحت اسم فرقة “أبو سليم الطبل” الاسم الرسمي الذي رافق أعمال الفرقة، حتى اليوم.

لم يكن من الهين اقناع الحمصي والده بالفن “إذ كان يعتبر مثل جميع أبناء طرابلس الممثل “مشخصاتيا” لا وثوق به. وفي الوقت الذي فرغت فيه طرابلس من الفنانين وهم كثر، أسس “اسعد” فرقة الفنون الشعبية عام 1960.

في العام 1967 اشرك الرحابنة “أسعد” في فيلم “سفر برلك” (نص كامل التلمساني، إخراج هنري بركات) ثم كانت له معهما تجربة أخرى ولافتة في فيلم “بنت الحارس” عام 1971 بدور الحارس صالح إلى جانب فيروز ونصري شمس الدين. هذه التجربة جعلت صاحبنا يتنبه إلى مسألة ثقافة الفنان “بعدما مشاركتي في فيلم سفر برلك، سألت نفسي: لماذا اختارني الرحابنة أنا؟ شعرت أنني لو أردت الاستمرار بنجاح عليّ أن أدعم موهبتي بالعلم، لأن الممثل عندما يسعى إلى تقديم شخصية معينة يجب أن يدرسها ويفهمها لكي يرسمها ويشخصها، هذا كله يحتاج إلى علم، منه علم الإيحاء وكان مرجعي في هذا الإطار عالم النفس النمساوي (سيغموند) فرويد. درست عليه مدة ثلاث سنوات ليس من أجل الحصول على شهادة، بل لأزيد من معلوماتي وخبرتي وثقافتي”.

في العام 1973 كتب أنطوان غندور نص “دويك يا دويك” المسلسل الذي أخرجه باسم نصر لتلفزيون لبنان ومنح عبدالله الحمصي بطولة مطلقة، وشاركته الفنانة الشابة سيلفانا بدرخان في البطولة. هذا العمل أهّل بطله إلى بطولات ثلاث “في المسرح والسينما والتلفزيون، غير أن رياح الحرب الأهلية التي بدأت تهب على لبنان أتت على حلم العمر في أعمال كانت ستطلقني على مستوى العالم العربي؛ لكنني لم أستسلم”.

لم يتخل عبدالله الحمصي، على الرغم من اشتراكه في العديد من الأعمال الفنية والسينمائية والمسرحية، ومنها مسرحية “قضية وحرامية” لجورج جرداق (1970)، عن فرقة أبو سليم في معظم أعمالها التي قدمتها في التلفزيون وعلى المسرح الجوال، بأسماء متعددة (أبو سليم الطبل، سيارة الجمعية، الأبواب السبعة، الزمن والدولاب، أبو سليم في المسامير) يقول: “أنا مع أبو سليم حتى الذبح ولن أتخلى عنه في يوم من الأيام، عشت معه عمراً وهو أبو الكراكتيرات، وأنا صهره. أما محمود مبسوط “فهمان” فخسارة كبيرة، موته جعلني أعود للتدخين”.

في السينما يكاد لا يخلو فيلم لبناني من دور لعبدالله الحمصي، إذا جسد في بال اللبنانيين تلك الشخصية الهادئة المحببة الدافئة التي تميل باستمرار إلى مناصرة الخير، وقد أدى أدواراً متفاوتة في مجموعة كبيرة من الأفلام منها: “ميريام الخاطئة” (1966)، “غيتار الحب” (1973) لمحمد سلمان؛ “نهلة” (1979) وهو فيلم جزائري لبناني لفاروق بلوقة؛ “الليل الأخير” (1982) نص غسان حريري، إخراج يوسف شرف الدين؛ “الرؤيا” (1983) ليوسف شرف الدين؛ “عودة البطل” (1983) قصة وسناريو وحوار غسان حريري، إخراج سمير الغصيني؛ “الغجرية والأبطال” (1984) نص رفيق نصرالله، إخراج سمير الغصيني؛ “حبي الذي لا يموت” (1984) ليوسف شرف الدين؛ “المرمورة” (1985) تأليف كريم أبو شقرا، إخراج وئام الصعيدي؛ “أيام اللولو” (1986) تأليف كريم أبو شقرا، إخراج إيلي معلوف؛ “الرادار” (1988) لوئام الصعيدي؛ “لمن يغنى الحب” (1990) نص غسان حريري، إخراج وئام الصعيدي؛ “زنار النار” (2004) لبهيج حجيج؛ “نهاية حلم” (2010) للأب فادي تابت. وفي فيلم “عودة البطل” أصيب الحمصي إصابة بالغة في عينه اليمنى تركت أثرها على نظره.

قدم صاحبنا أكثر من 1700 حلقة تلفزيونية، وشارك في العديد من المسلسلات منها: “مالح يا بحر” (2008) لمروان العبد وليليان البستاني؛ “رصيف البارزيانا”  (1985) لأنطوان غندور وجورج غياض؛ “مذكرات ممرضة” (1973) لمروان العبد وباسم نصر؛ إلى سهرة تلفزيونية مع فيروز ونصري شمس الدين “دفاتر الليل”  قدمها تلفزيون لبنان عام 1971.  وللمسرح قدم ما يزيد على ستين مسرحية. أما أعماله الإذاعية فناهزت 5000 حلقة، كما شارك في العديد من المهرجانات على مختلف الأراضي اللبنانية، منها مهرجانات قلعة طرابلس التي انطلقت العام 1969، ومهرجانات قلعة بعلبك عام 2000، مع فرقة كركلا.

في الأعمال الحرة، لم يترك عبدالله الحمصي مهنة والده قبل العام 1973، وبسبب الحرب، فتح متجراً لبيع الشوكولا في محلة أبي سمرا في طرابلس، سرعان ما أقفله “خسرت، لأنني لا أعرف البيع والشراء، هكذا تربيت وهكذا كنت في عملي الفني” يقول.

يتحسر عبدالله الحمصي على أرشيفه الذي سرق من بيته في حي أبي سمرا خلال المعارك التي كانت تدور في طرابلس عام 1986 “حتى الأفلام والوثائق والتسجيلات، ولم أحزن في حياتي مثلما حزنت على ثلاثة: أبي وأمي وأرشيفي. حاولت أن أستعيد من تلفزيون لبنان بعضها، لكن ما جمعته في كل حياتي من أموال، مضروبة بعشر مرات، لن يكفي ثمناً لها. أما الارشيف الباقي والذي كان في مقر الفرقة، في النادي الذي يحمل اسم الفرقة والمستأجر منذ العام 1968 فقد احترق جراء إصابته بالقصف”. في هذا النادي والمقر لم يزل “أبو رشيد” يقيم سهرة أسبوعة تتضمن أعمالاً فنية وقصائد شعرية ورقصاً فولكلوريا لفنانين ومدعوين محليين. وفي هذا المقر تجري أعمال التدريب على الأعمال الفنية والمسرحية التي تقدم حالياً في طرابلس تحت عنوان المسرح التربوي، حيث تقدم مسرحيات توجيهية لتلامذة المدارس.

في العام 2010 أصيب عبدالله الحمصي بنكسة صحية استدعت إجراء نحو أربع عمليات “كانت تكلفة هذه العمليات مع غرفة العناية الفائقة ما لا يقل عن مئة مليون ليرة، لا أملك منها قرشاً واحداً، وقد تحمل هذه الأعباء صاحب مستشفى “الهيكلية” في طرابلس مع الطبيب المعالج. يقول: “لم أعانِ من ظلم في حياتي مثلما عانيت من ظلم الدولة، نناضل منذ عشرات السنين ونحن ننادي بضمان الفنانين الذين لن يشكل عددهم المحدود أي عبء على الدولة، وها هم يموتون الواحد تلو الآخر على أبواب المستشفيات، من دون أدنى اهتمام، ألا نستحق بعد هذا العمر الطويل من العطاء بالفن وإدخال البسمة إلى قلوب الناس، بطاقة صحية؟”.

وينهي: أنا أومن بحقي الذي أخذته من الأعمال التي شاركت بها، من المسرح المحلي إلى العالمي إلى الفرنسي، والأفلام المتواضعة. أنا تكفيني شهادة الجمهور وكبار الفن والعمالقة. لن أنسى شهادة رشيد علامة بعد تقديمي شخصية أحدب نوتردام إذا قال لي: جعلتني أتسمر ساعة ونصف الساعة أمام التلفاز لأشاهد أداءك؛ وإثر فيلم “سفر برلك” كتب الصحافي الكبير جورج ابراهيم الخوري في مجلة الشبكة: “لقد أثبت الممثل عبدالله الحمصي (أسعد) أنه ممثل عالمي”، كلمات قليلة تساوي صفحات ومقالات كتبت بكبار الفنانين والبدعين”.

 

تواريخ

  • 1937 الولادة في مدينة طرابلس (شمال لبنان)
  • 1957 أسّس مع صلاح تيزاني فرقة “كوميديا لبنان” التي صارت لاحقاً فرقة “أبو سليم الطبل”
  • 1960 ظهر للمرة الأولى في “تلفزيون لبنان” من خلال بث مباشر في “المسافر” لصلاح تيزاني
  • 1967 شارك في شريط “سفر برلك” للرحبانيين ثم بدور الحارس صالح في شريط “بنت الحارس” (1971) من إخراج هنري بركات
  • 1973 أدى دور البطولة في مسلسل “دويك يا دويك” مع سيلفانا بدرخان، نص أنطوان غندور وإخراج باسم نصر
  • 1979 شارك في الفيلم الجزائري اللبناني “نهلة” لفاروق بلوقة
  • 1983 أصيب بعينه اليمنى خلال بروفات فيلم “عودة البطل” لسمير الغصيني
  • 2010 شارك في شريط “نهاية حلم” للأب فادي تابت.
  • 2012 قدّم برنامج “أسعد والقانون” في “الإذاعة اللبنانية”

تصوير كامل جابر 2012