خولة الطفيلي ترسم الحياة بمشقاتها وجمالاتها لتبهرنا في “مربّع الحياة”

كامل جابر

استطاعت خولة الطفيلي، الفنانة التشكيلية التي لا تهدأ، أن تختصر حياة الشارع، في بيروت وغيرها، الجامع بين القرية والمدينة في آن، بمجموعة باهرة من اللوحات المتراوحة بين عشرة سنتيمترات مربعة، إلى نحو 50×70 سم، بعدما وضعت فيها، ليس التفاصيل الملونة المثيرة فحسب، بل إحاسيسها الجيّاشة نحو هذه الصورة المجتمعيّة الدالة على الجدّ الإنساني والكفاح من أجل الحياة، أو المعيشة، بعدما باتت صعبة في لبنان في ظلّ تقهقر العملة الوطنيّة وارتفاع الكلفة المعيشيّة، ما جعل أهل البلاد، أهل المدينة وأحيائها وطرقاتها وأزقتها، يبتكرون سبل الانتاج لكي يستمروا مكافحين، ويعيشوا بعزة وكرامة.

الجميل في إبداع خولة هذه المرة، أو في هذا المعرض “مربع الحياة” أن تجسد مشاهد عظيمة من حياة الشارع والطبيعة في قطع صغيرة محتشدة بالتفاصيل والألوان (10×10 سم)، يجمع في ما بينها جميعاً، حتى الكبيرة منها، “لطشات” لونيّة لافتة، غدت كفسيفساء تراكمت عبر لوحات مربّعة لتخلق الحدث، المشهد.

لم تنسَ خولة المرهفة، بالطبع، أن تجسّد مشاهد محبّبة إلى نفسها، من حياة الشارع في بعلبك مسقط رأسها والجوار، كونها متمّمة لسيرة متابعاتها اليوميّة وملاحظاتها، ولتلك التي تحدث في أزقة العاصمة بيروت، وربما في كلّ مدينة ومنطقة لبنانية أخرى. لم تعد إلى الماضي البعيد، حيث كانت الحرف والأشغال تختلف تماماً عن حياة اليوم المعاصرة، لم تعد إلى الفلاح على “الفدّان” وغيرها من المهن التي انقرضت، أو شبه انقرضت، بل جسّدت حياة اليوم بأسلوب شيّق أقرب إلى الواقع، فنعاين معها مثلاً نزهة الأطفال في “التوك توك” وسيلة النقل الحديثة على لبنان وانتشارها في السنوات الأخيرة، في ظل الغلاء الفاحش لسعر المحروقات.

دخلت في مشاهدها المملوءة بالدفء إلى البيوت المزروعة في أحياء المدينة وشوارعها أو حولها، وفي بعض البلدات والقرى النائية، التحلّق الأسري المنشود حول المدفأة “الصوبيا”، والأطفال حول لعبة جديدة، الخياطة وخيطانها، المكواة والأباريق والمقتنيات التراثية في البيوت التي تحولت موادّ للزينة والذكريات، الآلات الموسيقية وغيرها، المرسم وطلابه، ولم تتناسَ لوحة لخولة الطيفلي نفسها الرسّامة وألوانها لتقول: “إنها جزء لا يتجزأ من هذه الحياة التي رسمت وجسّدت وعرضت”.

رسمت خولة الطفيلي مهمّة للصليب الأحمر اللبناني وأخرى للدفاع المدني، وهما صورتان تتكرران يومياً في الشارع، في خضمّ الفوضى العارمة وحوادث السير والانفجارات وغيرها، التي تشكل جزءاً من حياة اللبنانيين. ولم تتجاهل الطبيعة التي تحبّ، الزهور والورود والفراشات والحيوانات الأليفة وما يجري في المطبخ البيتي، كل ذلك تعبيراً عن الجمال الذي يبهر الفنانة “الأصيلة” ويفجر أحاسيسها تجاه الرسم المتواصل في كلّ لحظة ودقيقة.

خولة الطفيلي التي افتتحت معرضها مساء الخميس في السادس عشر من آذار 2023، في مقر جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت (بيروت- فردان) برعاية وحضور وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، أتحفتنا برونق أعمالها وما تحتويه من مشاهد وإبداع حدّ إبهارنا، وجعلتنا نلتصق في معاينتها ساعات طويلة لا نرغب في مغادرتها لشدة روعتها وأناقتها وتعبيرها، وبالتالي لا نبتعد بالهيّن عن الفنانة المرهفة التي أتاحت لنا في خضم هذا “الجحيم” أن خرج إلى مسرح الجمال ونتنشق فيضاً من الأمل، يشجعنا على الاستمرار تجاه الوطن الذي نرغب، ورسمته لنا خولة بأروع ما يكون وما ننشد.

افتتحت التشكيلية د. خولة الطفيلي معرض لوحاتها الفنية بعنوان “مرّبع الحياة” في مقرّ الجمعية في فردان بيروت، برعاية وحضور وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى وبدعوة من جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت كما حضر رئيس جمعية الفنانين ميشال روحانا ودكاترة واساتذة جامعيين ورئيس “ملتقى الألوان” الفنان والشاعر محمد علوش ورئيس “محترف اثار الشرق” الفنان برنارد رنّو ورئيس “المجلس الثقافي الانمائي لمدينة بيروت” ووفد من المجلس الثقافي للبنان الجنوبي وجمعية بيت المصور في لبنان، وحشد من الفنانين والإعلاميين والمهتمين.

ويضم المعرض مشاهد من الحياة الواقعية اللبنانية حيث تعطي الاعمال بهجة في الوانها ومواضيعها، وتنقل الحدث والحياة اليومية في الشارع وفي البيوت والتفاصيل، وتعيد صياغة المشهد والحدث اليومي الذي لا تقطفه إلاّ عين المحبة والجمال.

تصوير: عباس علوية