37 عاماً على اغتيال الأستاذ كامل محمود الصبّاح

 

الوالدة المفجوعة أمام نعش ابنها الشهيد

 

كامل جابر

لم يكن ظهر نهار الاثنين في السابع من نيسان سنة 1986، عاديّاً في النبطيّة، حيث سمع أبناء المدينة ومعهم من كانوا حاضرين في سوق الاثنين الأسبوعيّة، لعلعة رصاص بُعيْد الواحدة بقليل، ليتكشّف في أعقابه الخبر عن فاجعة اغتيال أستاذ مادتي التاريخ والجغرافيا في تكميليّة النبطيّة الرسميّة للصبيان المعلّم كامل محمود الصبّاح البالغ 37 عاماً.

في تلك الظهيرة من ذاك النهار، كمنت عصابة من القتلة للأستاذ كامل، في الوقت الذي كان عائداً من المدرسة، كي يُحضِر الطعام لطفليه في الحضانة، بشّار وريّان، إذ كانت والدتهما تعمل في مستشفى النجدة الشعبيّة اللبنانيّة في النبطيّة، وأطلقت النار عليه بغزارة قرب كنيسة النبطيّة، وسط حيّ المسيحيّين، فخرّ شهيداً على الفور.

وُلد الأستاذ كامل الصبّاح في 29 كانون الأوّل سنة 1949، قبل أيام قليلة من حلول العام 1950، وتعلّم في مدارسها ثمّ في دار المعلّمين والمعلّمات ليتخرّج معلّماً قبل بلوغه الثامنة عشرة، فدرّس في عدّة مدارس، في جبشيت وفي النبطيّة، في التكميليّة الرسميّة للصبيان، وكان قبل استشهاده قد سافر إلى فرنسا ليتسجّل في إحدى جامعاتها بغية نيل الدكتوراه في اختصاص الجغرافيا.

تزوّج كامل الصبّاح من بشرى أحمد علي جابر سنة 1977، وأنجبا بشّار (1981) وريّان (1982).

في سنة 1973 انتسب الأستاذ كامل إلى الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ وناضل في صفوفه، لا سيّما في مواجهة العدوان الإسرائيليّ واحتلالاته لجنوب لبنان والعاصمة بيروت سنة 1982، إذ اعتقل ثلاث مرات في مبنى الريجي في النبطيّة من قبل مخابرات جيش الاحتلال للتحقيق معه حول نشاطه الحزبيّ.

كان قبل اغتياله عضو المجلس السياسيّ الاقليميّ للأحزاب الوطنيّة في صيدا (1981) وعضو قيادة الحزب الشيوعيّ في النبطيّة ومسؤول الصلات السياسيّة والعمل الجبهويّ فيها. وكذلك في قيادة المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ.

نعاه حزبه و”جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” في بيان جاء فيه: “استشهد بتاريخ 7 نيسان 1986 بعدما كمنت له مجموعة من العملاء الجبناء التي أعْمَت الظلاميّة عيونهم وعقولهم وأطلقت عليه رصاصات الغدر والخيانة فأردته شهيداً فوق أرض النبطيّة التي أحبّ”.

وقد شُيّع الصبّاح قبل ظهر يوم الثلاثاء في 8 نيسان 1986 في موكب مهيب شاركت فيه قيادة الحزب الشيوعيّ وقيادات الأحزب والقوى الوطنيّة وحشود من أبناء النبطيّة والجوار وسط حداد عام وإقفال تامّ شمل الوسط التجاريّ والأحياء المتفرّعة.

ترعرع كامل محمود الصبّاح في أسرة مناضلة متواضعة، همّها تعليم أبنائها وتربيتهم على القيم الأخلاقية والإنسانية، في مواجهة الحرمان المناطقيّ المزمن والإهمال المتعمّد من قبل السلطة اللبنانيّة الحاكمة آنذاك.

شهدت سنوات انتساب كامل الصبّاح إلى دار المعلمين (نحو 1967)، منطلق نموّه الفكري والسياسي، مع ثلّة من أبناء النبطيّة والجنوب، كانت لهم وجهة سياسيّة يساريّة تدأب على التثقيف الحزبيّ والفكريّ والسياسيّ، فبرز كامل الصباح برغم عمره الصغير طليعيّاً على قدرة من التحليل ونصّ البيانات السياسيّة. وهذا ما جعله مؤهّلاً، لاحقاً، لأن يكون قياديّاً بارزاً في حزبه الذي انتسب إليه في سنة 1973، العام الذي سقط فيه المزارعان حسن حايك ونعيم درويش شهيدين على أبواب الريجي في خلال التظاهرات التي انطلقت من النبطيّة ترفع مطالب مزارعي التبغ، فعايش نكبة المزارعين وحرمانهم من حقوقهم وجهد تعبهم، وناضل في سبيل رفع الضيم والحرمان عن مدينة النبطيّة التي بدأت تتعرّض للاعتداءات الإسرائيليّة المباشرة قبل العام 1974 واستمرّت حتى احتلالها المباشر مع مناطق الجنوب، وصولاً إلى العاصمة بيروت سنة 1982، وكان من الطبيعيّ للأستاذ المربّي والحزبيّ الطليعيّ أن ينخرط في مواجهة هذا الاحتلال ومقاومته وتحرير لبنان وجنوبه من قبضته.

تصفية شهود

لم تمرّ أيام كثيرة على اغتيال الأستاذ كامل، حتّى هاجم مسلّحون، ليلاً، منزل المربّي الأستاذ الياس دخيل شاهين في حيّ المسيحيّين في النبطيّة، وأطلقوا النار عليه وعلى زوجته أسمى محي الدّين، فقتلت الزوجة على الفور، ونقل شاهين إلى مستشفى الراعي في صيدا مصاباً بجروح في رقبته أدت إلى وفاته بعد أسابيع قليلة.

وعلم في حينه، أنّ شاهين وزوجته، شاهدا مرتكبي جريمة اغتيال الصباح.

 الصور لـ: أحمد منتش، من أرشيف جريدة “النداء”

 

والد الشهيد محمود الصباح مع قياديي الحزب
مسيرة التشييع الحاشدة في ساحة النبطية
التشييع
قياديون حزبيون يقدمون التعازي وبدا الشهيد الدكتور حكمت الأمين إلى يمين الصورة
التشييع في حي السراي
الوالد المفجوع على ضريح ابنه البكر
كريم مروة وآخرون في التشييع
الاقفال التام في النبطية

من الساحة باتجاه شارع حسن كامل الصباح

التشييع في حي الصالحية
من مسيرة التشييع، صور شهداء المقاومة
لحظة وصول النعش إلى منزل الشهيد مرفوعاً على أكف رفاقه
الاقفال في النبطية
أمهات الشهداء
الشهيد الأستاذ كامل الصباح
والدة الشهيد تسير خلف جنازته
في جبانو النبطية