“شهداء بيروت” ينبعثون في لوحة الفنان الجزائري شمس الدين بلعربي

كامل جابر

اللوحة الملصق “شهداء بيروت” للفنان الجزائري شمس الدين بلعربي

لا تنفكّ عين بيروت المكلومة، على شهدائها، برغم ما أصابها من اضطراب معنوي وتراثي وتضييع الحقيقة المرّة، حتى الآن. هي بعض إيحاءات الملصق الأوّل الغني بالتفاصيل لجميع شهداء انفجار بيروت، في الرابع من آب 2020، مرسوماً من مبدع الملصقات السينمائية الفنان الجزائري الشاب شمس الدين بلعربي، تكريماً لشهداء انفجار بيروت.

إلى الإيحاءات المعنوية الحزينة، حمل الملصق “بورتريهات” لمئة وأربعين شهيداً، جمعها الفنان الجزائري من المواقع الألكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي والصحف وغيرها، ففردها على الجزء السفلي من لوحته، بما يشبه فسيفساء الحزن والشهادة.

“بدأت أعمل بجهد كبير جداً، وبحث مستمرّ منذ تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، على جمع صور كلّ الشهداء -ربنا يرحمهم جميعاً- بعدما صدمت  بتلك الحادثة المشؤومة” يقول الفنان بلعربي.

ويردف: “أحببت الشهداء، وكي لا يبقوا رقماً يذكر، بل ليكونوا ذاكرة وصورة، بدأت برسم لوحة فنّية للتعبير عن تضامني بقلبي وبجوارحي مع عائلاتهم وذويهم. في هذا الرسم الذي يحمل بورتريهات لكلّ الشهداء رسمتهم كذلك في قلبي ووجداني … واعتبر ما قمت به، أقل واجب للتعبير عن تضامني ومحبتي لبيروت، التي أحببناه منذ طفولتنا، واتمنى زيارتها قريباً جداً وتكون قد لملمت شيئاً من أحزانها”.

من هو الفنان الجزائري بلعربي؟

تشبه قصة حياة بلعربي، قصص كثيرين من شهداء انفجار بيروت، ممن كانوا يناضلون من أجل موهبتهم أو قُوْتِ عيالهم أو حياتهم، وقصص كثيرين ممن يعيشون اليوم في أحياء بيروت الفقيرة المتواضعة المشرّعة على الأقدار والمفاجآت.

هو إذن شمس الدين بلعربي، اسمه الفني المتداول: Chemsou Belarbi – Belardi  في العقد الرابع من العمر (34 عاماً، من مواليد 14 شباط/ فبراير 1987). اهتدى إلى موهبته في سنّ الخامسة “كنت أعيش في قرية صغيرة في مستغانم غربي الجزائر ببلدية عين تادلس، حيث كنت أرعى الغنم مع خالي (رحمه الله) وبينما كنت أسرح في القطيع، وأنا صغير جدّاً، كانت تمرّ بجانبي صفحات الجرائد، لتجذبني الصور البرّاقة لنجوم السينما، فألتقط هذه الصحف من على الأرض ، أتمعّن فيها، وأرسمها بالعيدان على الرمال”. يقول بلعربي

في السادسة من عمره انتقل الطفل شمس الدين إلى المدينة، لكي يلتحق بالمدرسة، “وهناك بدأ المعلمون يكتشفون موهبتي، ورحت أعطي الأهمّية لمادة الرسم أكثر من باقي المواد، كالرياضيات والفيزياء وغيرهما”. 

ولأنه من عائلة جد فقيرة، اضطر صاحبنا إلى التوقف عن الدراسة والخروج إلى الشارع لامتهان الرّسم “كحرفة مثل تزيين المحلات التجارية والديكور. لكن الشارع قاس جداً، إذ تعرضت للاستغلال الاقتصادي من قبل عديمي الضمير ممّن امتصّوا طاقتي الفنّية، وفي كثير من الأحيان كنت أتعرّض للتهديد والوعيد، عندما كنت أطلب أجراً مقابل عملي. كنت صغيراً آنذاك، أعمل تحت أشعة الشمس الحارقة، أحمل السلالم الحديدية وأنا ضعيف الجسد، وكانت الشمس تسخّن السلالم الحديديّة ما ترك ندوب حروق في يديّ. لم أستطع اللجوء إلى الشرطة بسبب التهديدات، وأنا لا حول لي أو قوة”. لكن بعض العكس كان صحيحاً، إذ تلقّى اهتماماً من كثيرين اعتنوا بموهبته وقدّروه وقدّموا له يد المساعدة.

خلال تجواله في الشوارع والأحياء، كان شمس الدين يمرّ بجانب قاعات السينما، يشاهد “أفيشات” الأفلام والصور الضخمة لنجوم السينما عند ابوابها، وكان يرسم كل ما شاهده عندما يعود إلى البيت.

يقول: “المشكلة أننا كنا نعيش في بيت واحد، نطبخ فيه وننام فيه، وأنا أرسم في وسط هذا الضّيق بصبر وتأنٍ، زد على ذلك، فإن سقف بيتنا كان مكسوراً جزئياً، وفيه شقوق، ما يجعلنا نعاني في فصل الشتاء، وهذا ما أتلف الكثير من رسوماتي بسبب تسرّب المطر”.

بعدها بدأ بلعربي يفكر في إرسال أعماله الفنية إلى الخارج “وفعلاً أرسلت كلّ الرسومات إلى شركات الإنتاج السينمائية عن طريق البريد، وبدأ من حولي ينعتونني بالمجنون، لكن اتكلت على الله لأنّه هو من أعطاني هذه الموهبة، وواصلت المثابرة والعمل. ومرت السنوات ولم اتلقَ أيّ ردّ، فيما تابعت العمل في الشارع، لكنّ المشاكل تركت آثاراً واضحة على جسدي وصحتي، ودخلت في مرحلة صعبة جداً، ونتيجة العمل في المصانع، تاثّرت صحتي ودخلت المستشفي مدة ثلاثة أشهر”.

ويضيف: “بعدها بدأت حالتي في التحسّن، حتى جاء يوم تلقّيت فيه رسالة من منتج أرجنتيني يعمل بالشراكة مع هوليوود وعرف بأعمالي في الأوساط السينمائية وبدأت اتلقّى الطلبات من المخرجين والمنتجين وعملت الكثير من ملصقات الأفلام العالميّة أذكر منها:

The News.. وHonor وGarra Mortal وBucks of America

 والفيلم الوثائقي الكبيرChinese Hercules The BOLO YEUNG Story 

  وعرضت أعمالي الفنّيّة في مهرجان كان السينمائي الدوليّ ومهرجانات الأوسكار وسيزار، فشاهد أعمالي الممثل الهوليووديّ JIMMY GOURAD فاتصل بي وقام بزيارتي وكرّمني، وبعدها تمت دعوتي إلى المهرجان العالمي للسينما، من قبل الممثل الهوليووديّ الشهيرTONG POO  الذي يعتبر من أساطير هوليوود وله افلام شهيرة برفقة روجي مور وآخرين، واتفقنا علي مشروع عمل، وهناك مشريع مستقبلية ادعو الله التوفيق”.

بعدها جاء وفد من خبراء سينمائيين وكان رئيس الوفد الممثل العالمي  RAMDAN GOURAD حيث كرّم بلعربي في حفل كبير على أساس أنه آخر عربي وافريقي ما زال يصمّم ملصقات الأفلام العالمية بالطريقة التقليدية، أي عن طريق الرسم والفن التشكيلي . وتمّ تسجيل اسمه في القاموس العالمي للسينما العالمية  IMDBكما تمّ تدوين قصة حياته الي جانب عمالقة السينما العالمية في كتاب أصدرته مؤسسة هوليوود العالمية.

وهنا، رابط المجلة الأمريكيّة الشهيرة INFLUENTIAL PEOPLE MAGAZINE حيث نشرت رسمه على غلافها وأعدت تقريراً مطولاً عن مسيرته الفنية..