أبو بشار ترحيني: رحيل رائد الحكايات والذاكرة الجنوبية

كامل جابر

لا يمكن أن يحضر “أبو بشّار” إلا وحضرت معه الذاكرة والحكاية والرواية و”الخبرية” الطريفة والابتسامة، فهو موسوعة ثقافية بحدّ ذاتها، جعلته ذاكرته النشيطة، ولباقته في الحديث والقصّ، قريباً من أجيال مختلفة متفاوتة الأعمار، وهو كذلك مرجع في كثير من المنشورات والمخطوطات التي حقّق العديد منها، وهو باحث في التاريخ والتراث والذاكرة الجنوبية.

لذلك لا يمكن أن تصدّق اليوم خبر رحيل المربي الأديب الأستاذ خليل توفيق حسين ترحيني، لولا نعي ابنه الدكتور بشار خليل ترحيني. نعي متواضع يحمل سمات الراحل الأخلاقية والتربوية، وهو الذي بقي في ألق ذاكرته واتساعها حتى الرمق الأخير، ولم يتوقف عن الغوص في الكتب والدراسات بمختلف ميادينها.

لقد تجرّأ أبو بشّار وأصدر مجلة خاصة أسماها “العرايس”* (1997) لتكون مجلة شهرية، وثائقية، ثقافية، وبلدية، كانت تصدر من مسقط رأسه بلدة عبّا (النبطية) وتنطوي على العشرات من المواضيع التراثية والأدبية والاجتماعية والبلدية وغيرها. وتجرّأ كذلك على الغوص في عالم المخطوطات ومتابعتها التاريخية والتوثيقية وحتى العلمية، وهو بجرأته هذه كان يستند إلى حيز بالغ من من الثقافة المتنوعة والمعلومات والعلاقات العامة والأخبار المتداولة أو الموثقة، أو تلك التي سعى بنفسه إلى توثيقها وتدوينها وإخراجها إلى العلن بعدما كانت مطموسة أو مجهولة.

هو صهر مدينة النبطية، كان متأهلاً من المربية الراحلة نهلا قديح التي غادرتنا منذ نحو أربع سنوات (2017) وتركت في نفسه جرحاً عميقاً، إنمّا لم يترك الكتب والمراجع والورق والقلم، وظل يجمع ما يقدر عليه من معلومات وأبحاث. كان قريباً من وزير التربية والنائب الراحل غالب شاهين (1930- 1968) وعمل كذلك في التفتيش التربوي وتعاونية موظفي الدولة (رئيس منطقة النبطية سابقاً).

كرّمه المجلس الثقافي للبنان الجنوبي في 25 كانون الثاني سنة 2014 ومنحه وسام المجلس تقديراً لعطاءاته في حقول التربية والوظيفة العامة ونشاطاته الثقافية والاجتماعية فيما سرد أبو بشار حكايا من سيرته الذاتية. وبرحيله تفقد النبطية ومنطقتها وجنوب لبنان علماً من أعلام الثقافة وباحثاً تربوياً وتاريخياً واجتماعياً وموثقاً للذاكرة الجنوبية في العديد من وجوهها العلمية والتراثية وإصداراتها ومخطوطاتها.

في خلال تكريمه في المجلس الثقافي في النبطية في 2014

وإذ ينعيه المجلس الثقافي للبنان الجنوبي “فقيداً تربوياً وثقافياً واجتماعياً، يتقدم من عائلته، لا سيما من أبنائه الذين يحملون الكثير من سماته الأخلاقية والعلمية والثقافية ببالغ آيات العزاء، راجين للفقيد الرحمة ولهم الصبر والسلوان”.

*تعود تسمية دوريته “العرايس” إلى العرايس البلدة التاريخية التي كانت تقع إلى غربي بلدة عبّا، وفيها نصوب ونواويس ومعاصر قديمة جدّاً. إلى العتبات والساحات العامة والمستودعات الكبيرة والآبار العميقة والأجران وبيت العرائس فمركز الحاكم والقصر ومنطقة الدير والبركة الظاهرة للعيان حتى الآن.

صورته الأخير في شباط المنصرم على شرفة منزله في عبّا