الدكتورة وطفاء حمّادي نعرفك.. ولا نعرفك!

كامل جابر

لم يسعفنا الرحيل المفاجئ لفارسة النقد المسرحي الدكتورة وطفاء حمّادي (هاشم) في تحقيق الكثير الكثير من الأحلام الثقافية الاجتماعية، والتي بدأت وهي على مشارف التقاعد، بالتردّد كثيراً إلى مسقط رأسها النبطية، إذ أحسّت أنّ الجامعة والتعليم والدراسات النقدية والمسرحيّة، قد سرقت منها حيّزاً من اهتمام كان يجب أن توليه لمدينتها النبطية التي أحبّت حتى الثمالة، ولجنوبها الذي دافعت عن تقدّمه وتفوّقه في الثقافة والعلوم وفي العديد من المظاهر الحضارية، كيف لا وهي حفيدة العلاّمة الشيخ سليمان ضاهر، وابنة المدينة التي كنّيت بفارسها المخترع حسن كامل الصباح.

ولم يسعف الرحيل الموجع كثيرين من أبناء النبطية والجنوب، في أن يتعرّفوا على هذه المرأة “المقاتلة” التي حملت اختصاصها في المسرح والنقد المسرحي وغيرها من الدراسات والأبحاث، لتجوب جامعات ومسارح لبنان والعالم العربي، فتترك بصمات هنا، وكتابات ومحاضرات هناك..

 

 لذلك، وبعد تكريمها في النبطية من قبل جمعياتها الثقافية وبلدية المدينة بتاريخ 13 تموز 2018، وما تلى هذا التكريم من أحداث متسارعة، من قيامة الثورة، إلى جائحة كورونا التي كانت سبباً في رحيل فقيدتنا الكبيرة، وجعلتنا في انحباس وانقطاع عن بعضنا البعض، حتى عن المشاركة في تشييع العزيزة وطفاء في مسقط رأسها في النبطية بتاريخ 26 شباط/ فبراير 2021، نتمنى بما جمعناها من عائلة الراحلة (مشكورة)، ومن كتابات في غيابها المفاجئ، أن نتعرّف سوياً على الدكتورة وطفاء حمادي هاشم، فنوفيها شيئاً مما لها علينا، قد يشبه التكريم لمسيرتها المليئة بالدراسات والإصدارات والتعليم وغيرها، علّنا نستطيع في وقت لاحق من الاحتفاء بمسيرتها هذه…

 الدكتورة وطفاء حمادي هاشم

ابنة مدينة النبطية وحفيدة الشيخ سليمان ظاهر، ولدت في العام 1952، وتوفيت في 25 شباط/ فبراير 2021 . زوجة الأستاذ علي هاشم، ولهما: سيرين وهاجر والدكتورة سارة.

أستاذة النقد المسرحي في كلّية الآداب في الجامعة اللبنانية، وفي المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، وعضوة «تجمّع الباحثات اللبنانيات» ورئيسة لجنة المسرح في النادي الثقافي العربي في بيروت. 
رئيسة مركز الأبحاث في منظمة الصحة العالمية في مجال الدراما والترويج للتدخين. 

 

لها عدد من المؤلفات في مجال المسرح اللبناني والعربي  منها:
* المسرح اللبناني، آفاق ومشاكل
* المسرح في المملكة العربية السعودية ومسارات التطور
* سقوط المحرمات؛ ملامح نسوية عربية في النقد المسرحي
* الخطاب المسرحي في العالم العربي (1990 – 2006)
* المرأة والمسرح في لبنان
* التراث: أثره وتوظيفه في مسرح توفيق الحكيم  
* السير الشفوية للمرأة الفنانة ومسارات التطور
*  الشباب المسرحي العربي المهاجر بين الأنا والآخر
* المواطنة وتجلياتها في الفنون البصرية والمشهدية رؤية الشباب اللبناني

 

 

الجمعیات والمؤسسات الثقافیة:

    • عضوة في تجمع الباحثات اللبنانیات/ بیروت
    • أمینة سر سابقة/ تجمع الباحثات اللبنانیات بیروت
    • مسؤولة الشؤون الثقافیة في جماعة المسرح والتراث العربیة/ القاھرة
    • مقررة مادة النقد المسرحي في الجامعة الیسوعیة/ بیروت
    • مقررة مادة النقد المسرحي في معهد الفنون/ الجامعة اللبنانیة
  •  
  • مقررة اللجنة الثقافیة/ المعهد العالي للفنون المسرحیة/ الكویت
  • عضوة في الهيئة الدولیة للمسرح
  • أمینة السر في لجنة حقوق المرأة
  • عضو اللجنة الاجتماعیة في الجمعیة النسائیة الاجتماعیة الثقافیة- الكویت
  • عضوة في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي
  • عضوة في جمعیة تقدم المرأة في النبطیة
  • عضوة في جمعیة خبیرات للإعلام

شهادات تكریم:

  • تكریم في وزارة الثقافة في لبنان (1996)
  • تكریم في مهرجان أیام الشارقة المسرحیة (1998)
  • تكریم في مهرجان قرطاج (2001
  • تكریم في مهرجان المسرح لدول مجلس التعاون الخلیجي– دولة قطر (2001)
  • تكریم في الجزائر (2009)
  • تكریم في القاھرة– المسرح العربي (2011)
  • تكریم في الریاض/ المملكة العربیة السعودیة (2013)
  • تكریم في الكویت/ مهرجان مسرح الشباب (2012)
  • تكریم في الكویت كعضوة لجنة تحكیم في مسرح الشباب (2013)
  • تكریم في الكویت كعضو لجنة تحكیم في نصوص مسرح الطفل (2013)
  • تكریم في القاھرة– المسرح العربي (2016)
  • تكریم في الكویت- مهرجان مسرح الطفل (2017)
  • تكریم في مدینة النبطیة من المجلس الثقافي للبنان الجنوبي- بلدیة النبطیة- نادي الشقیف- جمعیة تقدم المرأة في النبطية (2018)

إشراف

  • إشراف على عدد كبیر من الرسائل الجامعیة لشهادة الماجستیر وعلى عدد كبیر من

أطروحات الدكتوراة في الجامعة اللبنانیة

  • ترؤس لجان مناقشة أطروحات دكتوراه (عدة مرات) في الجامعة اللبنانیة

الجوائز

فازت بجائزة البحث العلمي من مؤسسة بحر للثفافة – أبو ظبي (2016)

 

للراحلة عدد من الدراسات حول المسرح وتأصيل الهوية العربية، والمسرح الجامعي، ومسرح الجيل الأكاديمي الجديد، والنسوية في المسرح، وأبرز أعمالها “سقوط المحرمات: ملامح نسويّة عربيّة في النقد المسرحي” (دار الساقي)، وفيه ترى أنّ المحرّمات التي تكبّل المرأة العربيّة في الحياة اليوميّة تهاوت على خشبة المسرح، إذ استطاعت أنْ ترفع الصوت مفصحة عن هواجسها وتطلّعاتها على الرغم من الصعاب. يتناول الكتاب نتاج المرأة في المسرح، ممثّلةً ومنتجةً ومخرجةً، الذي أُغفل وهُمّش لفترة طويلة من الزمن، ولم تقوَ المرأة العربيّة على إظهاره إلاّ بعد ظهور النقد النسويّ المعتمد على منهج التفكيكيّة وحفريّات المعرفة لميشال فوكو، والتي تبرز خطاب المرأة. تطلّ حمادي على أعمال مخرجات لبنانيّات، مثل نضال الأشقر وسهام ناصر ولينا أبيض وجنى الحسن ولينا الصانع، والمخرجة السوريّة نائلة الأطرش، اللواتي قبلن التحدي. 

من آخر التعليقات التي نشرتها حمادي في صفحتها في فايسبوك:

من كتابي “المواطنة…” لهذا السبب منع تدريس مادة  التربية الوطنية في المدارس، وخاصة المدرسة الرسمية الوطنية، كي يبقى اللبناني كما يقول عبد الرحيم العوجي في مسرحيته “أرق الجميلة النائمة“:… صرت قول كل الكلمات اللي علّمني ياهون: عدعساتك نحن مشينا…” 

وفي هذا الحوار ما يدل على الانتماء إلى الزعيم وترداد الشعارات التي ذكرناها سابقًا.

ويختم الكاتب نصَّه بالإشارة إلى إمكانية استمرارية الحرب الأهلية، لأن كل المسببات والعوامل ما زالت قائمة، فالنظام ما زال طائفيًّا، ومسببو الحرب، أي زعماء الطوائف، ما زالوا في سدة الحكم، ويديرون شؤون البلاد”: نرى الرجلين وقد قتلا… يعانقان بعضهما البعض… أفواهما مفتوحة… وقد انهال عليهما الردم والرماد حتى أصبح لونهما رماديًّا (بعد ثوانٍ تقوم جثة فتاة… تفصل الرجلين عن بعضهما البعض).

تضع الرجل في القسم المسيحي من المسرح.

تضع الشاب في القسم المسلم من المسرح.

تعود إلى مكانها، تموت إظلام في نهاية مسرحية “أرق الجميلة النائمة” (]1[)

ويظل الشعب نائماً والوطن يموت

يدلّ هذا الحوار وهذا المشهد من النص كذلك على أن الطائفية هي التي تعزّز مكانة الزعيم وتروّض المواطن، وتحرمه صفة المواطنة لقاء انتمائه الطائفي الذي يكرّس زعامة زعيم الطائفة. من هنا يتنافى تحقيق المواطنة بوجود الطائفية، وتمكّنها من جعل الشعب اللبناني لا ينتمي إلى الوطن، بل تعزّز انتماءه إليها على كل المستويات، وبسلاسة صار اللبناني كائناً طائفيًّا، غافلًا عن حقوقه كمواطن، إذ جعله زعماء الطوائف تابعًا لهم، وصارت مستلزماته المعيشية وحقوقه بكل المجالات الوظيفية وغيرها،  خاضعة لسياسات الزعيم ورضاه، وذلك لأن “الزعماء يراهنون على عفوية الجماهيرالتي تعتبر القاعدة الأساسية واللاواعية لدعمهم، ويعزو ذلك غوستاف لوبون إلى أن علم النفس يعلّمنا أن هناك “روحًا للجماهير”، وهذه الروح مكوّنة من الانفعالات البدائية، ومكرّسة بواسطة العقائد الإيمانية القويّة. وهي أبعد ما تكون عن التفكير العقلاني والمنطقي.

وكما أن روح الفرد  تخضع لتحريضات المنوِّم المغناطيسي (أو الطبيب)، فإن روح الجماعة تخضع لتحريضات وإيعازات أحد المحرِّكين أو القادة الذي يعرف كيف يفرض إرادته عليها. وفي مثل هذه الحالة من الارتعاد والذعر فإن كل شخص منخرط في الجمهور يبتدئ بتنفيذ الأعمال الاستثنائية التي ما كان مستعدًا إطلاقًا لتنفيذها لو كان في حالته الفردية الواعية والمتعقّلة” ([2])

فالقائد الزعيم يستخدم الصور الموحية والشعارات البهيجة بدلًا من الأفكار المنطقية والواقعية، ما يدل على أن ذلك يلغي الإحساس بالمواطنة، ويضطر الشاب اللبناني لإطاعة الزعيم الذي يسخّره ويستغله بمبلغ شهري ضئيل، ويسيّره وفق مصالحه السياسية والعسكرية والاقتصادية، من دون الاعتراف بحقوقه كمواطن، هو “يستملك روح الجماهير ويسيطر عليها”([3]). وهذا  ينطبق على ما يقوله ب. أيلمان في علم الجماهير: “لقد حلّت السياسة محل الدين، ولكنها استعارت منه نفس الخصائص النفسية. بمعنى آخر أصبحت السياسة دينَ معلّمنا، وكما في الدين فقد أصبح البشر عبيدًا لتصوّراتهم الخاصّة بالذات. ولكننا شهدنا في السنوات الأخيرة تجييشًا كبيرًا للجماهير بواسطة الدين أو بالأحرى الإيديولوجيات الدينية في البلدان غير الأوروبية وغير المعلمنة” ([4]).

[1]  المسرحية.

[2]  لوبون، ص 12.

[3]  المرجع السابق نفسه.

[4]  لوبون، المرجع السابق، ص 12.

 

وكتب الإعلامي مفرح الشمري في “الأنباء الكويتية تحت عنوان:

الحركة النسوية في المسرح العربي تفقد إحدى فارساتها وطفاء حمادي

الأحد  2021/2/28

 

فقدت الحركة النسوية المسرحية العربية إحدى فارساتها برحيل أستاذة النقد المسرحي في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية وفي المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت د. وطفاء حمادي بعد إصابتها بفيروس كورونا.

الراحلة لها صولات وجولات في الحركة المسرحية العربية، وكانت وجها لا يغيب عن المهرجانات المسرحية التي تقام في الكويت والوطن العربي، وكان لها العديد من الدراسات حول المسرح وتأصيل الهوية العربية، والمسرح الجامعي، ومسرح الجيل الأكاديمي، وكانت مدافعة شرسة عن المرأة في المسرح سواء كانت ممثلة أو منتجة، وأصدرت كتابًا بعنوان: «سقوط المحرمات» «ملامح نسوية عربية في النقد المسرحي» عن دار الساقي، وحظي الكتاب باهتمام كبير في الأوساط المسرحية العربية.

وداعاً وطفاء

نعى قسم النقد والأدب المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت الراحلة د. وطفاء حمادي من خلال رسالة أرسلوها إلى «الأنباء» جاء فيها:

يودِّع قسم النقد والأدب المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية الزميلة د. وطفاء حمادي التي وافتها المنية إثر إصابتها بفيروس كورونا، كما يتقدم أعضاء الهيئة التدريسية بخالص التعازي والمواساة لأسرة الفقيدة، سائلين المولى عز وجل أن يتغمدها بواسع رحمته ويسكنها جنات الخلد ويلهم ذويها الصبر والسلوان.

وإذ يعبر أعضاء القسم عن حزنهم برحيل الزميلة التي أمضت سنوات طويلة في المعهد، ومنحت وقتها وجهدها لتعليم طلبتها ورسخت فيهم حب المسرح طوال مسيرتها المهنية والتدريسية، فوجب علينا تقديرها على جهودها ودورها الحيوي في كل نشاطاتها الفكرية والأدبية أثناء وجودها في الكويت.
رحلت د. وطفاء وتركت حياة مليئة بالعطاءات.. رحم الله د. وطفاء.

وعنون الكاتب يوسف الحمدان من البحرين:

وطفاء حمادي.. لم أنتهِ من قراءتك بعد

لم يمهلني الوقت حتى أكمل قراءتي لإصدارها الجديد (المواطنة وتجلياتها في الفنون البصرية والمشهدية .. رؤية الشباب اللبناني) والتي أرسلته لي فور صدوره مباشرة عبر الواتسب معززًا باستشهادها لسانحة نقدية لي  ” وحسب الناقد الصديق يوسف الحمدان أن الدراسات والبحوث التي تتعرشها بعض العناوين العامة لا يمكن أن تكون ذات أهمية في رؤيتها الفكرية والفلسفية دون مستدل تطبيقي يعزز مساراتها وآفاقها”، حتى أُباغتُ بخبر وفاتها يتصدر بكثافة هائلة موجعة صفحات السوشيال ميديا، لأكون لحظتها في دوامة جائحة من التشوش النفسي والذهني يتصدرها الشك والارتياب في حقيقة هذا الغياب لكائن عرّشت روحه وذاته الحياة في أبهى تجلياتها، حيث لا ممات لمن واجه الموت بأسئلة الحضور الاشتباكي الخلاق للوعي والذات وأنفاق الطرق المؤدية إلى الملتبس والشائك والمجهول .

إنها الناقدة الباحثة اللبنانية الصديقة الحميمة منذ عهد اللقاء الأول والاشتباك الأول من العام 90 بمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي وحتى لحظة مغادرتها هذه الحياة اللئيمة المخادعة، الأستاذة الدكتورة وطفاء حمادي التي أشعلت الساحة النقدية والمسرحية في وطننا العربي، وليس في لبنان فحسب، برؤاها النقدية والفكرية السائلة والمسئولة والمشاكسة في المسرح والفكر والمعرفة والتي شهدتها مهرجانات وملتقيات ومؤتمرات المسرح في وطننا العربي، حيث لا تهدأ روحها الشابة المتوثبة المتوقدة الوهاجة قبل أن تدشن رؤى وأسئلة جديدة ومخاتلة فيها تُعد بمثابة إنجاز رؤيوي جديد في قاموس مسارها النقدي الذي يتكيء على الحفر الاركيولوجي العميق لكل ما تتصدى له أو تقف عليه، وخاصة في حقل النقد النسوي المسرحي ووقوفها على الشباب بوصفهم طاقة خلاّقة مهملة في مجتمعاتنا العربية، فيالها من خسارة يصعب تعويضها في ساحتنا النقدية والفكرية والمعرفية في وطننا العربي .

إنها ناقدة باحثة من الدرجة الأولى، ومرجعًا مهمًّا لا يمكن تجاوزه أو تجاهله إذا ما وقفنا وبتأمل شديد على الدراسات والبحوث والرؤى التي قدمتها خلال مسيرتها النقدية والأكاديمية في لبنان وفي دولة الكويت أيضًا، حيث كانت أستاذة النقد المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية لسنوات شكلت فيها طاقات نقدية شابة ورؤى ثقافية لا تزال في محل اهتمام من تعايشوا معها عن قرب ونهلوا من أسئلتها النقدية المشاكسة هناك، وهي واحدة من أكثر من انتصر من النقاد والناقدات في وطننا العربي وانحاز ودافع ونافح بقناعة وإيمان عن الحرية والحياة والشباب موقفًا وميدانًا وتمثلًا وحوارًا وكتابةً وبحثًا ومواجهةً، ومن أكثرهم وقوفًا على النقد النسوي المسرحي ليس بوصفه جنسانية أو جندرية خالصة، بل بوصفه ميدانًا معرفيًّا يتكيء على مناهج ورؤى واتجاهات مؤسسة وعميقة، وهنا نلحظ لدى الصديقة الناقدة وطفاء حمادي كيف تتقاطع رؤيتها البحثية الأركيولوجية مع سياقات النقد التحليلي والاجتماعي لتنبثق عنها قراءة رؤيوية تميزها هي كباحثة في حقلها المعرفي، كقرائتها للصحفية الناقدة القاصة اللبنانية عواطف الزين من خلال إصدارها (عزيزي النابض حبًّا)، حيث تقف وطفاء على ارتحالات الكاتبة الزين المهنية والحياتية والفكرية ومعاناتها ونضالاتها خلال هذه الارتحالات، كما تسلّط الضوء على بعد آخر في هذه القراءة يقف على المهجر أو الهجرة بوصفها مناطق تخلق وتحول في التكوين الذاتي والمعرفي لدى الكاتبة الزين، كما نلحظ ذلك في قراءتها لكثير من تجارب الكاتبات والناقدات المسرحيات في وطننا العربي، حيث تذهب بمشرطها النقدي عميقًا في رؤاهن الأدبية والثقافية والمسرحية من خلال ما يكتبن ويقدمن، سواء كنّ كاتبات أو ممثلات أو ناقدات أو مخرجات، وليس من خلال مساراتهن الشخصية في الحياة ، كما تروم من خلال كتابها (سقوط المحرمات .. ملامح نسوية عربية في النقد المسرحي) إنصاف المرأة الناقدة من حيث الريادة بعيدًا عن تهميشها من خارطة الحضور المؤسس في مسرحنا العربي، كما تعرج وباهتمام بالغ على كتابات ورؤى المبدعين من الرجال العرب وكيف تناولوا وتصدّوا وعالجوا قضايا المرأة من خلالها وذلك ليس بوصفهم أندادًا أعداءً مضطهدين للمرأة، بل بوصفهم قراءات إبداعية تنبثق من التجربة ذاتها وليس من الشخص نفسه، ولذلك علينا أن نتأمّل هذا البحث الحفريّ في الذات الإبداعية للمرأة قبل الوقوف على متكآت عدائية تذهب إلى مناطق متوهمة في تسويق الفهم الجنساني الضيق للكتابة الإبداعية نصا وعرضا للمبدع الرجل.

إنّ الصديقة الناقدة المبدعة دكتورة وطفاء حمادي تنطلق في رؤيتها النقدية من ركائز فكرية رصينة على أساسها شكّلت ريادة نقدية نسوية في أكثر من تجمّع ومبادرة في التأسيس لكيانات تعنى بالنقد النسوي، وإنّ أكثر ما كان يلفت نظري ويستوقفني في الناقدة وطفاء هو أنها تتكيء على فهم واستيعاب المرأة الذات والذات الإبداع من الذات الرجل أكثر من المرأة ذاتها، ذلك أن الذات لدى المرأة في الغالب مهجرة بفعل عسف ما، أمّا هذه الذات فهي في محل إيغال مباشر وإن كان أحيانًا عسفيًّا لدى الذات الرجل، وذلك المنحى قلّ أن نجده لدى كثير ممن طرقوا أبواب النقد النسوي من الرجال أو النساء في وطننا العربي .

وبقدر هذا الاهتمام بالنقد النسوي لدى الناقدة الباحثة وطفاء حمادي نلحظ الاهتمام ذاته بالشباب إناثًا وذكورًا وأناسًا بمعنى أشمل، ويتجلّى ذلك الاهتمام في إصداراتها (ثقافة الشباب ومصادرها الرقمية)، و(الشباب المسرحي العربي المهاجر: بين الأنا والآخر)، و(المواطنة وتجلياتها في الفنون البصرية والمشهدية.. رؤية الشباب اللبناني) تجوس من خلالها في أسئلة ملحّة، مثل كيف تبنى المواطنة لمواجهة الانتماء إلى الطائفة ولتحقيق العدالة في لبنان؟ وكيف يرسخ مفهومها في فنون الشباب؟ وكيف يصبح الشباب رافدًا من روافد التغيير الخلاّق في المجتمع؟ وهي أسئلة تسهم في تأسيس وتشكيل وعي جديد في قطاع الشباب من خلال ممارساته هذه الفنون البصرية والمشهدية، كما أنّها رؤية فريدة من حيث التناول والطرح في ساحتنا الثقافية والفنية كم نحتاج إلى قرائتها وتأملها.

هي التي لا تشيخ والتي عندما تكبر تزداد شبابّا وألقّا، وهي التي كلما ألتقيها لا أرى فيها سوى تلك الفتاة الشابة التي تتوشّى بحيوية شابة في روحها وأزيائها وابتسامتها المشرقة وأسئلتها المداعبة والمختالة ومشيتها المحاذية الحميمة وكما لو أنني معها نخطو باتجاه درس نعشق اللحظة حضوره بمتعة لا تضاهى، فقد جمعتني بهذه الإنسانة الرقيقة الودودة التي سرقت جزءًا كبيرًا من روحي بمغادرتها أرض اللقاء الصاخب والحيّ، جمعتنا طاولات الحوار والمشاكسة الخلاّقة في مهرجانات وملتقيات المسرح بالقاهرة وبيروت والكويت والشارقة، وكما لو أننا كبرنا سويًّا منذ لقائنا الأول وما تلاه من لقاءات بصحبة الصديقات اللبنانيّات الرائعات، السينوغراف شادية زيتون والفنانة الاستثنائية رندا أسمر والكوروغراف جنى الحسن، وكان بيني وبينها مواقف وطرائف لا تنسى، ولا يمكن أن أنسى معها اللقاء الأول والمتكرّر في مقهى المارينا في كل مشاركة لي في مهرجان الكويت المسرحي، وقد تواصلت معها أكثر ممن كانوا في الجوار وطنًا وجغرافيا، إذ كنّا على تواصل مستمر شبه يومي عبر الواتسب أو الفيس بوك كتابة وتعليقًا وصوتًا، ولا تزال هذه الكتابات والتعليقات وصوتها أيضًا تحتفظ به ذاكرة الجوال، فهي تعلق في الغالب على كلّ ما أكتب وهي أكثر من يشاكسني وأكثر من يفهمني وأكثر من يوافقني الرأي، ولها آراء أعتزّ بها في المرأة في بعض مسرحياتي، ومن بينها (الزيارة الأخيرة) و( تحولاّت نجمة في زمن العتمة). وكان آخر لقاء جمعني بها والصديقة الشابة اللبنانية الفنانة الحميمة سوزان بوعلي في الرياض بمناسبة تدشين المسرح السعودي الوطني، حيث كانت وطفاء في أجمل وأبهى حالاتها الشبابية .

تنتهي اللقاءات الحميمة ولكني لم أنتهَ بعد من قراءة كتابك الجديد يا صديقتي الرائعة (المواطنة وتجلياتها في الفنون البصرية والمشهدية.. رؤية الشباب اللبناني) وأعدك بأنني سأكتب بحب كبير لا يخلو من المشاكسة التي اعتدتها معك عن هذا الكتاب الجديد..

وداعا غاليتي وطفاء..

صعبه.. مو هيك؟

—————————–

يوسف الحمدان – البحرين