مصطفى فروخ أغوته طبيعة لبنان فرسمها بعين صافية

كامل جابر

قيّض لي وأنا أطالع دورية مهرجانات بعلبك الدولية (التاسعة عشرة) الصادرة في عهد الرئيس سليمان فرنجية سنة 1974، معاينة مجموعة خالدة من أعمال التشكيليين اللبنانيين الأوائل: مصطفى فروخ، قيصر الجميل، داود قرم، جبيب سرور، خليل صليبي، يوسف الحويك، عمر الأنسي، صليبا الدويهي وغيرهم من تلامذتهم أو المبعدين اللاحقين…

أعمال لرواد لبنانيين أبدعوا في تكريس مدارس البدايات في الفن التشكيلي اللبناني، الذي ضاهى العالمية أو وازنها، بعدما غرفوا من معينها الدراسات العميقة والتجارب وحركات التجديد في الفن التشكيلي.

في لوحة تطل من قوس شرفة على إحدى جنائن لبنان، أو تلاله المشجرة بالصنوبر والسنديان، ممهورة بتوقيع مصطفى فروخ، لا يمكن إلا قراءة المدى الاتقاني للتصوير بالريشة الذي بلغه هذا الفنان العصامي، برغم عمره القصير جداً، مسجلاً أهدافاً عمية في مرمى الانطباعية؛ ولذلك ترك ثروة كبيرة نادرة تفوق خمسة آلاف عمل تشكيلي.

لا يمكن كذلك، إلا أن تشرع وزارة الثقافة اللبنانية التي لديها من آثار الخالدين والمبدعين التشكيليين اللبنانية، في تحويل هذه الآثار إلى متحف يقرأ من خلاله الرواد حكايات التشكيليين اللبنانيين وما تركوه من ثروات وأعمال قيمة، تشكل حيزاً أساساً من سمعة لبنان الثقافية والفنية والإبداعية.

مصطفى فرّوخ

يعدّ من أشهر الرسامين التشكيليين اللبنانيين في القرن العشرين، إذ خلد الطبيعة اللبنانية برسوماته. وهو أحد مداميك تأسيس تاريخ الفن اللبناني الحديث، وقامة فنية شاهقة بشموليتها الابداعية. وإلى تميزه في فن التصوير والرسم والكاريكاتور، كان ناقدا ً فنياً ثاقب البصيرة، ومؤرخاً فنياً متعمقاً في فنون الغرب والشرق في آن معاً.

ترك نحو 5000 لوحة بمختلف التقنيات، بيعت في لبنان والخارج. وترك كتباً مطبوعة، وكذلك مخطوطة “صوت الحق” (تتضمن آراءه السياسية في حقبة الاستقلال، بنقد لاذع لسياسة تلك الحقبة وساستها).

كما ترك مفكرة يومية تتضمن مذكراته وآراءه في الفن والمجتمع والوسط السياسي وحال البلاد والعباد، في حقبة مفصلية من تاريخ لبنان. فهو عايش نهاية الحكم العثماني والحرب العالمية الأولى، ثم حقبة الانتداب الفرنسي وقيام دولة لبنان الكبير والمؤسسات، فالانتقال إلى مرحلة الاستقلال من 1943 حتى وفاته (1957).

درس الرسم طويلاً في الجامعة الأميركية (بيروت)، ودار المعلمين والمعلمات الرسمية، ومدرسة مار افرام (زحلة، وكان على رأسها الشاعر سعيد عقل)، وألقى العديد من المحاضرات حول الفن والحياة والمجتمع في الندوة اللبنانية. وعرضت لوحاته متاحف ومعارض عالمية في روما وفرنسا ونيويورك وغيرها، ودخل اسمه (سنة 1950) في قاموس الفن العالمي Benezit.

توفي يوم السبت في 16 شباط سنة 1957، إثر مرض شديد.

وفي العام 1974، أصدرت إدارة البريد في لبنان طابعاً بريدياً لإحدى لوحات مصطفى فروخ من ضمن ستة طوابع للوحات فنية توزعت على عدد من رواد النهضة التشكيلية في لبنان، وهم إلى فرّوخ: حبيب سرور (1860- 1938)، دواد قرم (1852- 1930)، جبران خليل جبران (1898- 1931)، قيصر الجميل (1898- 1958) وعمر الأنسي (1901- 1969).