سامي شاهين.. ذاك «المعلم» الطباعي الذي لم يغادر «النهار»

حمزة عليان |

على الرغم من الموت البطيء الذي تعاني منه معظم الصحف اللبنانية، لا يزال مبنى «النهار» الشهير أول شارع الحمراء في بيروت، الذي اشتراه المصرف المركزي مؤخراً يضج بالحياة بتوليد ثمانية صحف يومية، مع ملاحق ومجلتين أسبوعيتين تخرجان إلى القراء من الطوابق السفلية، حيث المصنع الأكبر للطباعة، تجد رجلاً ينادونه «بالمعلم» يقف وراء هذا العمل، أمضى 46 سنة من عمره في «النهار» يشيح بوجهه عن الظهور الإعلامي مكتفياً بالقول، هذا بيتي الثاني وأنا جزء من هذا الفريق.

■ سامي شاهين لم يغادر «النهار» يوما، كان على الدوام حاضراً، فبعد الاختبار الأول الذي تعرض له على يد وليد تويني أوائل السبعينات، بدا له أن عالم الإلكترونيات الذي تعلمه ومارسه بالتدريس ستكون ترجمته في صحيفة تربعت على عرش الإعلام اللبناني لعقود طويلة، شاءت الأقدار أن تتخذ من هذا المكان مقراً لها، بقي هو أحد أبنائها والعاملين فيها.
■ قبل أن تبدأ الماكينات بالدوران زوده الأستاذ وليد تويني بمجموعة من الكتب والمعلومات الخاصة بالصف التصويري (صف الأحرف)، وهي من إنتاج شركة Harris وDatek وهذا كان تمهيدا لإعطائه صفة مسؤول الأجهزة في مطابع «النهار» عام 1974، وهمس في أذنه قائلاً «لو بدنا نموت كلنا لازم تطلع «النهار» كل يوم في أوقات السلم والحرب»..
■ في تلك الفترة الذهبية كانت «النهار» تطبع بين 80 و 100 ألف نسخة يوميا، وهي مرحلة وجد نفسه فيها سامي شاهين وقد فرضت عليه مواكبة ما يستجد من مهام، وهو على مشارف الحرب الأهلية اللبنانية. ومن موقعه كمشرف وكمسؤول عن الأعمال الطباعية والفنية في دار «النهار» ككل، وهو ما أتاح له التعامل وبشكل يومي مع الكبار وصناع الجريدة، بدءاً من الأستاذ غسان تويني وفرانسوا عقل ووليد تويني وميشال أبوجودة ومسؤولي الإخراج الفني ومديري التحرير.
■ التحدي الأكبر الذي واجهته «النهار» أثناء الحرب الأهلية (1975 – 1989) ألا تتوقف عن الصدور، وفي أجواء حرب الشوارع والتوقف القسري أحياناً كثيراً لحركة المطار، وانقسام العاصمة إلى شرقية وغربية، وتواجد قسم من العاملين فيها بالشرقية، في حين أن المبنى يتخذ من الغربية مقراً له، فكان على سامي شاهين أن يتدبر أمره بنفسه، وهذا ما جعله على تماس مباشر مع الأعطال التي كانت تصيب ماكينات الطباعة، وهذا ما دفعه إلى أن يقوم بتصنيع قطع الغيار وبجهد ذاتي لعدم القدرة على جلبها من خارج بيروت.
■ لم ينقطع عن التواجد «بالنهار» وفي مبنى الحمراء تحديداً وفي أسوأ الظروف التي مرت بها الصحيفة وبيروت، اضطر للعيش عند بيت خالته بعيداً عن أسرته وقريباً من مكان الجريدة، وعندما أغلق الجيش السوري «النهار» ومنعها من الصدور لمدة 21 يوماً كان عليه البقاء والمرابطة مع معظم العاملين في فندق le cavalier المحاذي، باستثناء ميشال أبوجودة الذي كان يبيت في فندق الكارلتون منذ ما قبل الحرب. أما هو، فقد خاطر بحياته عندما دخل المبنى والمطابع لتفقدها بعدما سأله الأستاذ مروان حماده فيما إذا كان قادراً على الوصول أم لا لنقل صورة صحيحة عما يجري بداخلها.
■ في جعبته الكثير من الأعمال التي باتت حديث الزملاء، فقد كانت له بصمات واضحة في عالم الطباعة، أبدى مرة وليد تويني رغبته بتطوير «الحرف المختصر» والمنسوب إلى كامل مروة، صاحب جريدة «الحياة»، ثم قام برسمه من جديد وسماه Arabic 90، وبالفعل تم إنجاز هذا العمل ووضع على «ديسك» ليبدأ العمل به.
■ تخصص في ماكينات الـHarris، وصار مرجعاً لها، وأي عطل تتعرض له، تراه حاضراً ومنقذاً، فقد كان بمنزلة الحارس التقني والضامن لصدور «النهار» طباعياً، ومن المحطات المهمة في مسيرته المهنية ما أقدم عليه بجمع ماكينتي «ويب» طباعتين بواحدة وزيادة عدد الوحدات unit بحيث أصبح المجموع تسع وحدات، مما أتاح له طباعة الجريدة بأربع ألوان وللمرة الأولى.
■ بعدما نجح بجمع الماكينتين الطباعتين، وصارت «النهار» تطبع 24 صفحة وبالألوان، كان عليه تحد آخر والمتمثل بتغيير وتصنيع «ملاقط» تتناسب والماكينة، وهذا من شأنه إيجاد «بليت» جديدة جاهزة للطباعة، يومها التقى به إبراهيم صالح الذي كان يدير كل الأعمال الطباعية لدى مؤسسة المرحوم ناصر الخرافي، بعدما علم «باختراعه» المفاجئ ليقدم له عرضاً بالعمل في الكويت.
■ له بصمة ودور في عدد من دور المطابع الصحافية كـ«الشرق» و«اللواء» و«الأنوار» و«البيرق». أيام «اللينوتايب» كانوا يلجأون إليه أثناء الحرب الأهلية لإصلاح ماكينات الطباعة وصف الأحرف، لا سيما صحيفة «الشرق» وأصحابها آل الكعكي، والعلاقة التي ربطت بين الجد جبران تويني ومؤسس «الشرق» في الثلاثينات والأربعينات.
■ دراسته وتخصصه بالإلكترونيات، ساعداه في حل المعضلات التي واجهته في حياته العملية وخلفيته العلمية كانت الرافعة التي يلجأ إليها وقت الاختبار العملي، جاءه «الأستاذ» وليد تويني مرة كما يسميه، يسأله ما العمل في سليندرات النحاس داخل الوحدات بمكائن الطباعة والتي بدأ يذوب فيها ليظهر الحديد، وبعد أن عرضت على «مهندسين أجانب» وتبين لهم ضخامة الكلفة المالية يومها اتصل بأحد أصحاب مصنع للسلاح في النبطية وهو من جيل الأربعينات يسأله عن كيفية تلبيس النحاس على الحديد، فشرح له القاعدة وراح يطبقها على الأرض أثناء تشغيل الماكينة، وتحقق له ما أراده.
¶ مآسي الحرب الأهلية حولها إلى منافع وواجهها بثقة، وخلقت فيه روح الإبداع والابتكار، وفي تلك السنوات المخيفة انقطعت به السبل للتواصل مع أسرته، فما كان منه إلا أن قام بتركيب جهاز اتصال بمكتب الأستاذ وليد تويني ليؤمن له ولزملائه معرفة أحوال أسرهم في بيروت الشرقية بعد أن تعذر عليهم الانتقال إلى هناك.
■ عاصر الكبار، خاصة الأستاذ غسان ووليد تويني وفرنسوا عقل، ذاك الراهب الأكبر والذي لا زال يعمل ويكتب ويتابع وهو على مشارف التسعين من عمره، وفي عصر جبران الابن، قرر أن يستبدل الأرقام الهندية بالأرقام العربية وأوكل إلى سامي شاهين المهمة وبالفعل ظهر الرقم العربي على «النهار».
■ أطلقوا عليه اسم «رجل الإطفاء»، ففي الأوقات الصعبة يتم استدعاؤه، فقد أنقذ «النهار» من التوقف عندما طلب منه الأستاذ مروان حمادة الذهاب إلى الأردن في عز الحرب لتأمين الورق اللازم ويذهب إلى عمان ليؤمن عن طريق صحيفة «الرأي» الكمية اللازمة.

السيرة الذاتية

سامي سميح شاهين.
مواليد 1948.
درس بمدينة النبطية بالراهبات الأنطونيات وبالمعهد الأنطوني في بعبدا ثم مدرسة الصنائع المهنية، ونال شهادة «TS» من المعهد الفني الصناعي عام 1972.
عمل في «النهار» منذ عام 1973، مسؤولاً ومشرفاً فنياً على المطابع والتحرير ومازال.
أسس عام 1977 شركة «كو مبيوغراف».

العلاقة مع «الأستاذ»

معرفته بالأستاذ غسان تويني تعود إلى أول السبعينات عندما كان يتولى وزارة التربية في الوقت الذي شارك هو بالإضراب الطلابي، نظمه للمعهد الصناعي بخصوص معادلة الشهادات التي يحصل عليها يومها، دخل مع رفاقه الطلاب واحتلوا مكتب جان عقل وجاء الوزير ليتحاور معهم، ليقع في «غرامه» واحترامه ثم تشاء الصدف بعدها بسنوات ويدخل «النهار».

سر المهنة

تحول منزله إلى مكتب للأستاذ غسان تويني أثناء تأليفه كتاب «سر المهنة وأسرار أخرى» نظراً لما يمتلكه «الأستاذ» من وثائق ومراسلات يرغب بأن لا يطلع عليها أحد خوفاً من تسريبها، فقد كانت علاقته مباشرة به وثقته عالية بشخصه.

دعم صحف الكويت

ارتبط بعلاقة مع ابن مطابع «النهار» جورج مجاعص واستمرت منذ الستعينات ومازالت تتعاون معه بتزويده بماكينات (لينوتايب) صف الأحرف عام 1990 بعد خروج المحتل العراقي من الكويت، والتي شكلت دعما غير عادي لجورج مجاعص بطباعة ثلاث صحف يومية كويتية صدرت بعد التحرير مباشرة.

«الفوتوشوب» ولوغو الرياضة

عندما دخل «الفوتوشوب» إلى عالم الصحافة، تعلمه وحده وأمضى شهوراً قبل أن يمارسه فعلياً، قام بعمل «لوغو» لملحق «الرياضة والتسلية» في النهار رسمه على الكمبيوتر وأخرجه إلى النور.