طنوس الحلو: ما هذا السفر الى المطلق المجهول؟

مرسيل خليفة

ما هذا السفر الى المطلق المجهول؟

في الطريق الموغلة في القِدَم بين “عمشيت” و”حصرايل” كان مشوار والدي اليوميّ الى منزل “طنوس الحلو”، يأخذني لنخلو الى جلسة الأستاذ. يضع الذكريات ويرويها كأنها حدثت اليوم، بالأمكنة والأشخاص. وعندما تجلس معه لا تدرك فارق الزمن، ومن فرط ما هو معلّم كان يصغي الى كل واحد منّا بتواضع من يريد ان يعرف.

فلتغفر لي يا “أستاذي” تأخرّي في تلحين قصيدة “هاله العربيّة” لأغفر لك ذهابك الفاتن الى الحياة الابديّة.

تلك هي حسرتي بأنك لن تسمع تلك “الدندنات” في مضيق الوقت بين السفر والرحيل.

أليس هذا هو صوتك المعلّق على سياج “المصطبة” تلقي علينا ما تيسّر من حديث الذاكرة؟
فليس في الغد ما يكفي من الوقت للتذكّر.

وهكذا لم تذهب، وهكذا لم أعد! إلاَ في ما يجعل الحياة جميلة..

واليوم وأنت مسجى أمام “المذبح” تتابع الاصغاء المرهف بخشوع ومحبة للتعديل المبتغى للقصيدة.

طوبى لك أيها المعلم في صحراء هذه “الذبيحة”.

الإنشاد البطيء يتتابع صحبة جوقة الإكليروس المرافقة في الرواية المفتوحة على كل الجهات وكل الأسئلة وكل المفارقات.

“وينفتح الباب ذات يوم، تنفتح كل الأبواب، وندخل الى فرح سيدنا، ويحمينا القادر ونرتاح .”
اعرف بأنك لا تريد أن ترتاح.

لم أكن أعرف أن اللقاء الأخير كان الوداع.

لم يكن سؤال الموت سؤالك، في كل ما كنت تعمله كان نصر صغير على الموت.

هل زرناك لنتدرّب على وداعك؟

وخرجت من الكنيسة والمونسينيور يردِّد بصوت جوهريّ :

– إذهبوا في سلام!

–  إلى أين؟ إلى أين أيها “الرُّسُل”؟

أستاذ…
هل ذهبت لتغسل القمر من مياه الينابيع السحيقة؟

هل هنا تنتهي رحلة الطيور؟

طنوس الحلو شكراً لك.