رحيلها فجع الفنانين والأهل والأصدقاء: مريم حمّود انتقلت إلى المسرح الآخر!

 في آذار (مارس) الماضي، شكّلت الجثّة في العالم العربي محور عرض «الميرم» (بدعم من «آفاق ــ الصندوق العربي للفن والثقافة) لمريم حمّود (الصورة). العمل الذي كان أساساً مشروعها لنيل شهادة الماجستير من «جامعة القديس يوسف»، يعدّ الجزء الأول من ثلاثية مسرحية أدائية، وقد هدم وأعاد تأطير الصور والتسجيلات الوحشية التي بتنا نتلقاها عبر الإعلام وصارت تؤثر في إدراكنا وجوهر حياتنا اليومية.

يومها، تشاركت مريم الأداء مع إيفين شريف وستيفاني كيال. لكّن المخرجة والممثلة اللبنانية الشابة التي درّست المسرح والأداء في «الجامعة اللبنانية الدولية»، تحوّلت اليوم إلى جثّة فعلية، بعدما سكت قلبها فجأة قبل يومين أثناء نومها، مخلّفة وراءها أحلاماً كثيرة لم تتحقق. ووريت الصبية التي احتفلت قبل أيّام بعيد ميلادها الثاني والثلاثين الثرى في مسقط رأسها في بلدة عكّار العتيقة (شمال لبنان)، حيث تتقبّل العائلة التعازي. صدمة الأصدقاء والمحبّين تبدو جلية على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تغص هذه المنصات بالبوستات التي يعبّر أصحابها عن حزنهم الشديد وصدمتهم لرحيل الشخصية «المرحة والمحبّة والخلّاقة»، التي شاركت في عدد من الأعمال مع أسماء لبنانية وعربية وأجنبية (بينها «المركز» لساري مصطفى). إلى جانب «الميرم»، أنجزت حموّد عملاً أدائياً آخر بعنوان «مضض» (2011) شاركت فيه مع جسيكا خزريك، طارحة أسئلة الموت والحيوات المتوازية.
الراقص والكوريغراف اللبناني علي شحرور أخبرنا بأنّه قبل مغادرتها، كانت مريم تستعد للذهاب إلى هولندا للمشاركة في مشروع قيد التطوير ضمن مهرجان Dancing On The Edge (الرقص على الحافة) الذي تجرى فعالياته بين 8 و18 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، ويعرض التبادل الفني بين أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال الرقص والمسرح والتجهيز. إلى جانب ذلك، لفت الفنان الذي أكمل معها دراسته العليا في «اليسوعية» إلى أنّها كانت تدرس تجربة أخرى كانت يمكن أن تأخذها للعيش في ألمانيا، وتحضّر لشهادة الدكتوراه!

المصدر “الأخبار”

مريم حمود… تسدل الستارة عن المشهد الأخير

نوفمبر 2, 2017 ثقافة وفنون

اعتدال صادق شومان

«قريباً سأتمّ إحدى وثلاثين سنة، وسيؤرّقني قربي من تحقيق الحلم، وكيف سأعيش من دون حلم».

عند هذا النصّ التراجيدي تقدّم «مريم» لأدائها الأخير على مسرح الحياة موثّقة نعيها بورقة حملت اسمها الثلاثي: مريم خضر حمود. توفاها الله عن عمر الثانية والثلاثين. «ليفرغ السرير» من الجسد الفتيّ في إحياء لدورها ما قبل الأخير في «مسرحية الميرم» من إخراجها ونصّها حيث اختارت لدورها في المسرحية موقع الجثة «مدى».

من غير المقدّمات، التي تكرهها مريم، دخلت في صلب الموضوع مباشرة، الفنانة المسرح التي كانت تعمل على أطروحة دكتوراه في ألمانيا عن التمثيل المعاصر، تحديداً عن العنف في الفنون وقد تركزت أكثر أبحاثها حول دراسة وتحليل العنف، والصور العنيفة التي نتلقاها وما تخلّقه حولنا وفي دواخلنا، وقدّمت آخر أعمالها المسرحية «الميرم»، تحكي فيها عن النمطية السائدة حول الموت، الذي انتهكت الهالة التي تحيط به وحوّلت الجثث إلى لقطات تمرّ بسرعة في شريط الصور الإخبارية. تميزت يومها مريم حمود بأداء جسدي مميز وبلاغة جمالية وطراوة تعبيرة مدهشة. وشت عن إمكانياتها وإبداعاتها الواعدة، لكنها اختارت أن تحضّر لنعيها مبكراً كاستراحة محارب، وجمّدت الصورة على الشعر الأحمر المتطاير، وهي تقود سيارتها على الطريق، وصولاً إلى بيت أهلها في عكار العتيقة.

ذاك المكان الأكثر راحة واخضراراً، حيث ستنهال عليها الذكريات، مريول المدرسة، خزانة الملابس، صور كلوديا شيفير وأمنيتها في أن تتزوج بكاظم الساهر، صورتَي السيدة العذراء المعلّقتين فوق سريرها، في منزل «الحاج» خضر حمود.

وهناك ستغمرها «نوستالجيا» أيامها في بيروت، خصوصاً تلك التي عاشتها على مسرح «الخشبة السوداء» في الروشة، حيث لامست سحراً خاصاً لهذه الخشبة تخوض التجربة ولا بدّ أن تنجح!

ولم يطل انتظارها وجاء الاتصال: «لقد نجحت بالمرتبة الأولى في امتحان الدخول». فأوسعت لها بيروت المكان «برافو لك مريم»، هذا الاعتزاز بالنفس والفخر والاحترام وهذا النجاح. ومبروك لك هوس أحلامك تبنينها حلماً بعد حلم.

سنون قصيرة تمرّ كلمح البصر وتتكوّن ملامح الصبية الصغيرة لتصبح امرأة، قريباً فقط ستنفذ ما خطّطت له، لكنها تعبت، ولم تعد تريد المزيد من خصائص الفردية والتي تتلخّص بكل خصائص الجماعة المفروضة كالإقامة الجبرية. رغم أن كلّ ما هي عليه يستحقّ الحياة، وباكراً اختصرت الطريق ومن أوله، عادت مع المشهد الخريفي السائد في بيروت إلى حضن والدتها، تعدّ قليلاً من زيت الزيتون، المكدوس، الشنكليش والكشك، لأجل ابنتها الصغيرة.

وأخيراً، وصلت مريم إلى طريق الزيتون في عكار، الطريق التي تعشق وهي تحاول عبثاً الحفاظ على قدرة التنفس، وقد تعبت من القيادة. أعلن الطبيب وفاتها بأزمة قلبية، وماتت وسط أحلامها، لتتوقّف عن تسجيل أفكارها، وتجلس تحت تلك الشجرة تأخذ نَفَساً قبل أن تصل إلى الدار، حيث يجب أنّ تبدو سعيدة، جيدة، موافقة على كل شيء ومؤمنة!

وأودعت أختها «العتيقة» نجوى مسؤولية إسدال الستارة عن المشهد الأخير لحياتها القصيرة منذ أودعتها أمها برعايتها طفلة، حتى لحظة تكون الأسئلة البريئة، وصولاً إلى شغف الموهبة حتى التمكّن.

نجوى… التي صهرها الحزن عن الكلمات وهدتها الصدمة وتصدع المنطق لدى أستاذة الفلسفة، انطوت على صمتها وهي تعيد العهدة الغالية إلى أمها وقد أغمدت فجيعتها داخل الصوت المخنوق، وما نطقت.

فقط، عقصت شعرها الأسود إلى خلف رأسها، وأعلنت الحداد.

المصدر “البناء”