شربل فارس
بعدما أزهرت أنامله على المجوز
رحل يوسف نجم الحلو
البلبل الاخير
يسقط عن سنديانة الوعر
عن عمر قارب خمسة وتسعين عاماً، وعن سبعة وسبعين سنة من العزف على المجوز، غادرنا اليوم بيت العتابا الاخير، يوسف نجم الحلو، تاركا مجوزه رهينة فرح مؤجل، وإلياذة الدلعونا ومئات الآلاف من حلقات الدبكة، تناقلتها سبعة أجيال من بلدتي صربا.
في هذا الزمن الرمادي بل الأسود، ترحل عنا، تباعاً، قامات الزمن القروي الجميل، ونحن ننزوي في ظلال أطلالنا جوقات ندّابة، مبعثرين على رماد الحنين.
حسبي أن يوسف نجم الحلو لم يولد إلاّ وبيده القصب، وأول كلمة نطق بها كانت عزفا، وأولى خطواته كانت وسط حلقات الدبكة لينثر الفرح في ساحات صربا وعلى بيادرها وفي حقولها وافراحها… وظل «يدق المجوز» حتى حين نزفت قريتي، وهاجرت أو تهجّرت، ولم يبق فيها غير«نتفة» من الأحياء اقتصرت وظيفتهم على دفن موتاهم العائدين إلى القرية في صناديق خشبية… وكان أبو جريس يواجه غدر الزمان بالمجوز وبافتعال الفرح احيانا،. بالانحياز للحياة. لا شيء يوقف يوسف نجم عن العزف. في سنواته الاخيرة اكتفى بالعزف صباحاً ومساءً لرفيقة دربه التي تشاركه في الغناء وبذلك يزهر الحب وهما في اواخر خريف العمر…
ولم يتوقف عشقه للمجوز الاّ منذ شهر حين رحلت حبيبة العمر وأخذت معها كل الخوابي العتيقة من العتابا والميجانا وأبو الزلف والدلعونا والشروقي… ماتت أنفاس الفرح بل إكسير الحياة… لمن يعزف العاشق بعد اليوم؟
وبعد شهر من غياب ام جريس جمع أبو جريس كلّ زاده وذخيرته من القصب، لفّها بمحرمة مطرّزة أهدته إياها زوجته من أيام العزوبية. وضع اللفة تحت المخدّة واسلم الروح للخالق… وللزوجة.
رحل يوسف نجم الحلو وأغلق باب الفرح والأمل والحنين وراءه بقوة وطوى آخر صفحات التراث في تاريخ صربا
بغيابه تفكّكت آخر حلقات الدبكة وسقط الحاشي في غبار النسيان…
توفي صباح اليوم الأحد في 5 آذار 2017