حسين سعد
مضى سعيد الاشقر في داخل متحفه، مخلفا وراءه كمّا هائلا من اللوحات والمنحوتات، التي طبعت مسيرته الفنية لاكثر من اربعة عقود من الزمن، أمضاها في ترحاله متنقلا بين فرنسا واليونان وإسبانيا ولندن وبلجيكا، عارضا إنتاجه الفني، إلى أن استقر به الزمن مع أوجاعه في مدينته صور، التي خصها بجدارية، تم عرضها وبيعها في باريس.
لم تهزم الرصاصات التي أطلقت عليه ابان الاجتياح الإسرائيلي العام ١٩٨٢، الشاب العشريني المندفع إلى التغيير والبحث عن واقع اجمل لبلده، فتابع احترافه في تصميم الازياء والنحت وتطويع الحجارة الصلبة ورسم لوحاته السوريالية، التي تحاكي أفكارا من الخيال الواسع المنتفض على الحياة وما بعدها.
في سنواته الأخيرة، حوّل منزل العائلة المواجه للكلية الجعفرية المطلة على آثار صور البحرية، إلى متحف توزعت في غرفه الصغيرة اعماله، من منحوتات حجرية ولوحات تضج بصخب الألوان واشعاعها اللامتناهي، فكانت مبعثرة على أريكات ورفوف تشبه الماضي وعناد الزمن.
في منحوتات سعيد الاشقر، الذي اندفع مشاركا في انتفاضة ١٧ تشرين، إيمانا منه بتغيير الواقع الذي جسده بلوحاته، يحضر القديس بطرس، الذي خرج يبشر بالمسيحية في رحاب العالم الواسع واسرار الحب والسعادة والحياة. ذكر الأشقر في مقابلة نشرتها في كتابي (مصابيح الذاكرة ، وجوه الرحلة ومطارحها) الصادر حديثا، انّه بدأ مسيرته الفنيه هاويا عندما كان تلميذا في مدرسة الكاثوليك في صور، فكان يرسم معلمته ويتخيلها كما خلقها الله، ثم يعرض عليها الصورة بخجل دون أن تردعه، ويلقى تشجيعا لا تأنيبا ما أعطاه دفعا لبناء شخصيته.
داخل متحفه الصوري الذي توفي فيه اليوم، لم يعكر صفو جيرانه، فكان متصالحا مع أوجاعه ومنصبا على عمله، الذي تركه لكي يبقى شاهدا على فنه الإنساني.