إحتلال صيدا في ميدالية نمساوية
وسام اللحام- المدن
تعتبر ميدالية احتلال صيدا، التي أصدرتها الامبراطورية النمساوية في العام 1841، من الميداليات النادرة التي توثق فترة ضبابية من تاريخ لبنان الحديث. لا تخلد هذه الميدالية قصة متعلقة بلبنان فحسب، بل بتاريخ المنطقة ككل، في منتصف القرن التاسع عشر.
في العام 1831 تمكن والي مصر محمد علي باشا من احتلال سوريا ولبنان، وقد وصل جيشه الحديث والمدرب جيداً إلى أضنة، بعدما تمكن من إلحاق هزائم متعددة بالجيش العثماني. إنتهت المرحلة الأولى من الحرب في العام 1833، بتكريس محمد علي والياً على مصر والشام، ما عزز موقعه في المنطقة، وحول وجوده إلى تهديد مباشر على بقاء السلطنة العثماني.
وفي العام 1839، حاول السلطان العثماني محمود الثاني طرد القوات المصرية من سوريا، لكن جيشه مني بهزيمة ساحقة في معركة نزب (جنوب تركيا اليوم)، على يد قائد القوات المصرية إبراهيم باشا. ما فتح الطريق لهذا الأخير بغية التقدم في العمق التركي، ومهد لاحتلال اسطنبول نفسها، خصوصاً أن الوضع قد تفاقم بعد أشهر، مع انشقاق الأسطول العثماني في 1 تموز 1840 وإبحاره إلى الاسكندرية، ثم إعلان استسلامه لمحمد علي.
أدركت الدول الأوروبية أن التدخل لمنع انهيار السلطنة العثمانية، وقيام دولة فتية وقوية مكانها، بات ضرورة قصوى، ولاسيما أن فرنسا عقدت تحالفاً مع مصر، يهدد النفوذ الإنكليزي في المنطقة. فدعت بريطانيا إلى مؤتمر حضرته روسيا والنمسا في لندن، وتم الإتفاق يومها على توجيه إنذار إلى محمد علي، يدعوه إلى ضرورة الانسحاب من المناطق التي احتلها، وإلا سيتم استخدام القوة ضده.
أمام تعنت محمد علي، ورفضه مطالب الدول الأوروبية، أرسلت بريطانيا أسطولاً بحرياً يضم مجموعة من السفن النمساوية والعثمانية إلى شواطئ لبنان، من أجل طرد الجيش المصري. وتمكن القائد الانكليزي شارل نابييه من قيادة إنزال مؤلف من 1500 جندي في جونيه، بينما قام الأسطول البحري بقصف المدن الساحلية، ولاسيما بيروت وصيدا. ما أجبر المصريين على الإنسحاب.
شارك الأسطول النمساوي بشكل فعال في احتلال صيدا، بقيادة الأرشيدوق فريديرك، المنتمي إلى سلالة الهابسبورغ الملكية. وتخليداً لهذا الانتصار، أصدرت النمسا ميدالية تحمل على وجهها صورة نصفية للأمير فريديرك بزيه العسكري، بينما يظهر على الجهة الخلفية نقش للفرقاطة النمساوية Guarriera مقابل شواطئ صيدا، مع مشهد لجنود يقتحمون المدينة، ويحتلون قلعتها. وقد كتب في الجهة العلوية باللغة اللاتينية، “Sidone Capta” أي “احتلال صيدا”.
صنعت هذه الميدالية من البرونز، كما يوجد منها عدد قليل مصنوع من الذهب، وهي تشكل شاهداً على حقبة مهمة من تاريخ لبنان والمنطقة.