كامل جابر
أنهت “مجموعة درب عكار” أخيراً، المسودّة الأوّليّة لدراسة الانواع الموجودة من السحلبيّات orchids في عكار. ويلفت الباحث المصوّر خالد طالب إلى أن “الدراسة جمعت في كتيّب ضمّت 64 نوعاً موزّعة على 12 جنساً، منها جنس البلاتنتيرة Platanthera الموجود حصراً في عكار”.
تمثّل هذه الارقام معظم ما تمّ اكتشافه على الصعيد الوطني، مع الإشارة إلى أن “الكتيب أتى ثمرة لمجهود استمر منذ العام 2015، ولمّا يزل حتى الآن، ضمن مسح شامل لمعظم النباتات البرّيّة في محافظة عكار” بحسب طالب.
وقد اعترت مشروع المسح عقبات كثيرة أبرزها غياب التمويل والاعتماد فقط على الفريق المتطوّع، فضلاً عن التحدّيات والمخاطر التي تواجه الطبيعة العكاريّة من حرائق وتدخّلات بشرية أدّت إلى زوال بعض المناطق الهامّة لانتشار السحلبيّات، إضافة إلى عدم توافر المراجع وصعوبة المقارنة لتشابه بعض الانواع في ما بينها.
ويعتبر وجود هذه الانواع مؤشّراً هامّاً على سلامة الطبيعة العكارية لأن هذه النباتات لا تحبّ التلوّث، ولذلك وجدنا في عكار أنواعاً نادرة لا تتواجد في مناطق لبنانية أخرى.
والسحلبيات (أوركيدOrchids ) هي من فصيلة السحلبيات Orchidaceae التي تضمّ آلاف الأنواع المنتشرة عالمياً.
وقد عرف السحلب في المراجع القديمة بـ”خصى الثعلب” وذلك لكون جذره كبيضتين تكبر إحداهما وتضمحلّ الأخرى، لذا سمّي أيضاً بقاتل أخيه. تبدو الثمرة مخطّطة متفتّحة، بذورها صغيرة، ويكون الجنين فيها غير متمايز، إذ لا ينتشر إلاّ بوجود فطريّات من نوع فطر الأرومة Rhizoctonia. ويضمّ الأوركيد عدداً من الأجناس التي تتمايز في ما بينها بشكل كبير.
تستخدم درنات بعض انواع السحلبيات في صناعة مادة نشويّة تدخل في بعض الصناعات الغذائيّة التي لها فوائد عدّة، وشراب السحلب هو أكثرها انتشاراً في مجتمعنا.
وتنتشر السحلبّيات في عكار اعتباراً من ارتفاع اقل من 100 متر ولغاية ارتفاع 1900 متر عن سطح البحر، وفيها كلّ الاجناس المعروفة في لبنان (12 جنساً)، علما أن جنس البلاتنتيرة Platanthera يوجد حصراً في عكار، وهو مؤشّر هام لغنى هذه المحافظة على الصعيد الايكولوجي.
من الصعوبة بمكان تصنيف انواع السحلبيات كافة، وذلك لعدّة اسباب، أبرزها: عدم وجود مرجع عالمي موحّد، صعوبة إيجاد مفاتيح واضحة للتصنيف مع التشابه الذي يبلغ حدّ التطابق بين بعض الانواع، والمراجع المحلّيّة بحاجة لتنقيح واضافة لتواكب التطوّر الحاصل عالمياً، على صعيد دمج أو فصل بعض الأنواع. والاعتماد في المقارنة على المعاينة في ظلّ عدم القدرة على إجراء فحوصات الـ DNA، مع غياب مراجع عالمية للمقارنة.
يقول طالب: “لقد اعتمدنا في هذا البحث المستمر منذ عام 2015 على المقارنة بين ما قمنا بتوثيقه وتصويره وعلى ما أتيح لنا من المراجع العالمية للمقارنة في ما بينها. فبعض الانواع قد تكون سهلة وواضحة، وبعضها الآخر كجنسيّ الـ Oprhys والـ Dactylorhiza يكاد من المستحيل التمييز في ما بينها، ولكنّنا حاولنا العمل قدر المستطاع للحصول على نتيجة أوّلية لمسح يعتبر الاول على مستوى محافظة عكار، على أن يبقى المجال مفتوحاً للتنقيح أو الزيادة عند توافره”.
ويضيف: “هذا العمل هو نتاج مبادرة يعمل عليها فريق البحث الميداني كافة لدرب عكار، والذي يضم: يارا مرعبي، علي طالب، عثمان طالب، جينفير الشيخ، حاتم الفحل، عدنان مرعب وعبد الهادي صعب، الذي أخلص الوقت والجهد في سبيل توثيق ما في عكار من تنوّع طبيعيّ وايكولوجي، أخذ يضمحلّ عاماً بعد عام بفعل التعدّيات والانتهاكات البيئيّة والتلوّث والتمدّد البشري والعمراني وما يخلّفه من حرائق وآثار كارثيّة.”
وختم: “كلنا أمل أن تصبح هذه الانواع محميّة يوما ما، وألاّ تُترك لتواجه مصيرها فتختفي وتنقرض، كما اختفت عشرات مواقع السحلبيّات في عكار خلال الأعوام الفائتة، فعكار ما زالت تختزن تنوّعاً لا يستهان به ربما يتطلب أعواماً طويلة من البحث العلميّ الشاق، ولكن لنا أمل بالجيل الصاعد المتنوّر بالوعي البيئي لإكمال هذه المسيرة في حال قصّرنا أو شق علينا الطريق.
هذا الدليل أهداء لكل غيور على البيئية اللبنانية عامة والعكارية خاصة”.
(الصور لخالد طالب و”درب عكار”)