بحضور تربوي وأكاديمي وثقافي واسع، كرّمت بلدية مدينة النبطية والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي وجمعية تقدم المرأة في النبطية وجمعية بيت المصور في لبنان الأديبة الدكتور دلال عباس في مناسبة “يوم المرأة العالمي” ومنحتها بلدية النبطية وسام التميز والإبداع الذهبي “تقديراً لثقافتها وعطاءاتها الفكرية والأدبية وفي الكتابة والترجمة والتعليم”.
جرى ذلك في لقاء حول كتابي الدكتورة عباس الأخيرين: “المرأة الأندلسية: مرآة حضارة شعّت لحظة وتشظّت” و”نصرت أمين: مجتهدة عالمة في الزمن الصعب”. وتحدث فيه المستشار الثقافي في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان محمد مهدي شريعتمدار والشاعر الأستاذ زاهي وهبي ورئيس جمعية بيت المصور في لبنان الإعلامي كامل جابر، في قاعة الاحتفالات في ثانوية حسن كامل الصباح الرسمية، بحضور المحامي جهاد جابر ممثلاً النائب ياسين جابر والحاج صادق اسماعيل ممثلاً رئيس بلدية النبطية الدكتور أحمد كحيل والعميد المتقاعد الدكتور محمد عباس ورئيسة جمعية تقدم المرأة في النبطية زهرة صادق والفنان التشكيلي الدكتور حسين ياغي ممثلاً الهيئة الإدارية المركزية للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي ورئيس نادي الشقيف الدكتور علي سلوم ومدير ثانوية الصباح الرسمية عباس شميساني والبروفسور حازم شاهين وحشد من الفاعليات الاجتماعية ومن الأصدقاء.
وتناول شريعتمدار ما قدمته الدكتور دلال عباس “الأم المعلمة والمعلمة الأم، ومدى تأثرها بحياة المجاهدة نصرت أمين وتنورها وما مرت به من أمور عائلية وأحزان، وانغماسها في بيئتها الاجتماعية والسياسية إلى حد معايشتها وإداركها أن ما أصاب الأمة العربية والإسلامية من مئات السنين لم يتبدل إلى اليوم، فهم أمة ما زالت منقسمة متناحرة، إما لاهية عن الاخطار المحدقة بها أو معاونة للفرنجة والقلة القليلة هي التي تستشعر الخطر وتحاول ان تتصدى له قبل ان يصل إليها، تقول: كنت أذرف الدمع حين أقرأ ما ألمّ بالأندلسيين من فواجع، ومدنهم تتهاوى الواحدة تلو الأخرى بأيدي الفرنجة، وهم عنها لاهون”.
وأثنى الشاعر زاهي وهبي على أسلوب الدكتور دلال عباس الذي يعتمد الكتابة المحببة والمشوقة المدعمة بالقراءات والبراهين، يكفي ما بذلته من جهد كبير في كتابها الأندلس لكي توثّق لنا حكايات المرأة مع الشعر وما أبدعته، وبرأيي أن عباس أصابت في منح المرأة حقها الطبيعي من الثقافة والإبداع، الذي بقي ناقصاً كثيراً أو مغيبا في معظم الكتابات الذكورية”.
وتحدث كامل جابر فقال: “عندما أوجز تعريف أديبتنا الكريمة بكلمة أستاذة، فهذا لأنها أستاذة بكل ما فعلت وقدّمت، من الدراسة إلى التعليم، في الإدارة والقراءة والكتابة والترجمة أو التعريب، وفي أحاسيسها الإنسانية التي تبدّت في عمق ما كتبت، وهي بتقديري لم تكتب لأجل الكتابة، وإنما كتبت لأن الفكرة كانت تستحقّ، أو نضجت معززة بقراءات لا حدود لها. لقد انغمست الأستاذة دلال عباس في عشقها للقراءة حتى النهم، ومالت نحوه أكثر ما ميولها نحو الكتابة أو تأليف الكتب، وإذا ما قارنا بين مخزونها الأدبي والثقافي واللغوي، وبين ما صدر لها من كتب ومقالات، كان علينا أن نتوقع لها أكثر من كتاب في السنة الواحدة، وهذا إن دلّ على شيء فعلى أنها تقرأ ما تكتب مرة واثنتين وثلاثاً، ولن تأخذ قرار الصدور إلا بعد اقتناعها الكامل بنضوج الفكرة واكتمالها. وثمّة دوافع إلى ذلك، قد يأتي في طليعتها أنها تريد أن تقتنع هي كامل الاقتناع بالمؤلف قبل صدوره أو ولادته، وآخر يتمثّل بما في شخصيتها ونفسها من تواضع وخجل يجعلانها تتردد في أحيان كثير، حتى في شأن الاحتفاء بإنتاجها أو تكريمها”.
وأضاف: “في يوم المرأة العالمي الذي يأتي في الثامن من آذار/ مارس من كل عام، تفتخر بلدية مدينة النبطية، والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي وجمعية تقدم المرأة في النبطية وجمعية بيت المصور في لبنان، بكلّ ما تقوم به الأستاذة دلال عباس على المستويات الأدبية والثقافية والكتابة والترجمة وقبل هذا أو ذاك التعليم والرعاية اللذان منحتهما بكل قدراتها، وما زالت إلى كثيرين من طلاب العلم، وبرغم كل التزاماتها العائلية وما تحمله في صدرها من حبّ ووجع وحزن في آن معاً. الأستاذة دلال عباس، بك تفخر المنابر وتفخر الثقافة ويفخر الأدب، وبأمثالك يرتقي العيد إلى مصافي التجلّي والعنفوان”.
وقالت عباس في كلمة شكرت فيها كلّ من ساهم في هذا التكريم واللقاء: “كتب لي أحد الأصدقاء متسائلاً عن الرابط بين الكلام على المرأة والظلم الواقع على أهل اليمن؟ أقول: إنه التطبيق الإختزالي الانتقائي المنحرف للدين منذ عهوده الأولى: فاجتماعياً، طيلة العهود الماضية، طُبقت أعرافُ الجاهلية بزيّ إسلامي، ومنها النظرة إلى المرأة؛ وسياسياً جُعل الدِّين قبل أن ينتصف القرن الهجري الأول أيديولوجيا للحكم والتسلّط ظلماً وعدواناً فاق ظلم الأباطرة والأكاسرة والقياصرة، واستغلّت من بعد الحركات الماسونية والصهيونية وأخواتهما وبناتهما الفهم والتطبيق المنحرفين النفعيين لتفعل أفاعيلها بواسطة المسلمين أنفسهم المتواطئين والمضلَّلين على حدّ سواء”.
وأضافت: “هذا يجيب عن سؤال كنت قد طرحته منذ حوالي الشهر في هذا المكان نفسه: ما الهدف من الكتابة؟ ولم يكتب الإنسان؟ ولمَ يدعو الآخرين إلى قراءة ما يكتب؟ والسؤال الذي أطرحه الآن: لماذا نؤلف الكتب أصلاً؟ الجواب البسيط غير المعقد أن الكاتب يريد أن يوصل فكرة أو أفكاراً إلى القارئ، إن كان يؤمن أن الكتاب مستودع الأفكار وناقلها، والوشيجة التي تربط المؤلف بالقارئ. حتى حين تمحى الكلمات بكبسة زرّ، كما يقال مجازاً، أو بلمسة غير مقصودة للآلة الصمّاء، يبقى اللكتاب حاضراً لتنقل منه المعلومات إلى تلك الآلات”.
وختمت: “أن يكون بين كتبي ثلاثة عن المرأة، يعني أنني أدافع عن المرأة من منطلق أنثوي أو نسوي، ربما كنت كذلك في مرحلة الشباب، لكن بعد تشريقي وتغريبي ومعاينتي للماضي والحاضر، تيقّنت أن الإنسان لا تكتمل إنسانيته من دون المعرفة، وبما أن المرأة هي الأصل، يجب أن تكون مستودع المعرفة وناقلتها: هي الأم والمعلمة، والرجال أولادها، مباشرة أو غير مباشرة، يطبقون القيم التي زرعتها في نفوسهم وعقولهم، وهي الأنموذج الذي يحتذونه قولاً وفعلاً؛ وأركز على القيم لأن الجمال والمال والمناصب والشهادات والمواهب باطل وقبض الريح ما لم تعضدها القيم الإنسانية، التي ترفع البشري من حضيض النفعية الدنيّة إلى كمال الإنسانية”.
وقدم اسماعيل بحضور عضوي المجلس البلدية الصيدلي عباس وهبي والسيد أحمد بدر الدين وسام “التميز والإبداع” الذهبي إلى الدكتورة عباس بمشاركة شريعتمدار وزاهي وهبي وحشد من الحضور والعائلة. وقال صادق: “قرّرت بلدية مدينة النبطية، إصدار وسام أو ميدالية تحت عنوان “وسام التميّز والإبداع” يمنح للمبدعين والمتميزين في العطاء الثقافي والتربوي والأدبي والشعري والفنون المختلفة وفي كل إبداع متميّز. ويشّرف بلدية النبطية أن تمنح وسامها الذهبي الأول إلى الأديبة الدكتورة الأستاذة دلال عباس تقديراً لثقافتها وعطاءاتها الفكرية والأدبية وفي الكتابة والترجمة والتعليم”.
وعلقت المربية زهرة صادق بتكليف من أمين عام المجلس الثقافي للبنان الجنوبي الأديب حبيب صادق شعار المجلس الذهبي على صدر المحتفى بها، في العيد الـ55 للمجلس الثقافي. بعدها وقعت عباس كتابيها اللذين يعود ثمن بيعهما لدعم أطفال اليمن.
تصوير علي مزرعاني