بدعوة من بلدية النبطية و”المجلس الثقافي للبنان الجنوبي” و”جمعية تقدم المرأة في النبطية” و”جمعية بيت المصور في لبنان” و”رابطة المتقاعدين المدنيين” و”الجمعية اللبنانية للارتقاء بالمهارات” و”نادي الشباب الحسيني في النبطية” أطلق المؤهل أول المتقاعد الباحث علي مزرعاني كتابيه الجديدين “النبطية بالأسود والأبيض: 1920- 1980) و”الإعلام والتوجيه في الجيش اللبناني: 1942- 2016) في حفل حاشد أقيم في قاعة ثانوية حسن كامل الصباح الرسمية في مدينة النبطية بحضور المحامي جهاد جابر ممثلاً النائب ياسين جابر والمهندس محمد ترحيني ممثلاً النائب هاني قبيسي والسيد علي قانصو ممثلاً النائب محمد رعدوالعقيد محمد عثمان ممثلاً قائد الجيش العماد جوزاف عون والملازم أول نقولا فرح عن مخابرات الجنوب في الجيش اللبناني وصادق اسماعيل ممثلاً رئيس بلدية النبطية الدكتور أحمد كحيل وحشد من الوجوه الثقافية والتربوية والأكاديمية والاجتماعية ومن أندية وجمعيات النبطية.
جابر
بعد النشيد الوطني اللبناني ألقى رئيس فرع المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، رئيس جمعية بيت المصور في لبنان الإعلامي كامل جابر كلمة الجمعيات الداعية فقال: “النبطيةُ بالأبيضِ والأسودِ، ليستْ محطةً بين لونينِ، ناصعٍ أو قاتمٍ، بلْ أنّها النبطيةُ في زمنِ أصالةِ التصويرِ، إذ تمكّنتِ العدسةُ وأفلامُها المتراوحةُ بين أبيضَ وأسودَ، أن تلتقطَ ومْضاتٍ من حيّزِها الزمانيِّ والمكانيِّ لتحولَها إلى ذاكرةٍ مرئيةٍ لا زغْلَ فيها، لحياةِ أهلِها وزوّارِها في تلقائيتِهمِ المعهودةِ، في مدارسِهِم اساتذةً وتلامذةً وطلاباً، في أسواقهِمِ الشعبيةِ التي كانتْ إلى الأمسِ القريبِ متناميةً وجعلَتْ من النبطيةِ بوصلةَ الجنوبيينَ واللبنانيينَ وأشقاءِ الجوارِ في سوريا وفلسطين، في أفراحِهِم وأعراسِهم ومناسباتِهم المتنوعةِ التي يشي أكثرُها بالفرحِ والانسجامِ، في اغترابِهم وفي وقفاتِهم الوطنيةِ المشرفةِ، دعماً للقضايا العربيةِ والحركاتِ التحرريّةِ، رفضاً للاحتلالِ الإسرائيليِّ فلسطينَ وتشريدِ أهلِها وتأييدِ المقاومةِ الفلسطينيةِ اللبنانيةِ، ولعدوانِهِ المستمرِّ على لبنانَ ولتقاعسِ السلطةِ وإهمالِها”.
واضاف: “إذا طرحْنا السؤالَ عما قدّمَهُ لنا الباحثُ علي مزرعاني من جديدٍ، غيرَ كتبِهِ التي ما تركتْ قشةً من ذاكرةِ النبطيةِ إلا وتناولَتْها أو حمَتْها أرشفَتْها؟ يأتينا الردُّ السريعُ أن علي مزرعاني يستمرُّ في عشقِهِ وحبِّهِ لهذه المدينةِ، ولدبيبِ قلبِهِ هلعاً كلّما ظنَّ أن شيئاً من هذه الذاكرةِ قدْ يذوي أو يغيبُ جرّاءَ إهمالٍ أو عواملَ خارجةٍ عن المألوفِ أو السيطرةِ. ربّما تعبَ بالُ علي مزرعاني من تكديسِ ذاكرةِ النبطيةِ وأهلِهَا في أدراجٍ وملفاتً قد تتعرضُ هي الأخرى لعواملٍ ما تطيحُ في أهمّيتها التاريخيةِ والجغرافيةِ والإنسانيةِ، وما الذاكرةُ هنا غيرَ مساحةٍ شاسعةٍ من الإنسانيةِ التي تشدُّ إزراً وتعضُدُ صبراً.. لذلك نراهُ في كتابِهِ الجديدِ “النبطيةُ بالأبيضِ والأسودِ” قد أخرجَ جُلَّ ما جمعَهُ من ذاكرةِ مدينةٍ وصبَّها في ألبومِهِ الجامعِ الشاملِ، ليجعلَهُ متاحاً أمامَ الجميعِ من دونِ استثناءٍ وليقولَ للجميعِ: “هاكُم أماناتُكم تعودُ إليكُم. إنعمُوا بذاكرتِكُم وذاكرةِ أهلِكُم وأجدادِكم، ودعوني أرمِي رأسيَ على وسادةِ الهدوءِ والإرتياحِ، ولنا ولكُم مع الغدِ لقاءٌ جديدٌ”.
وشكر جابر “للصديقِ الساهرِ على الذاكرةِ علي مزرعاني، على كلَّ ما فعلَهُ ويفعلُهُ، وما يقدِّمُهُ لنا بين الفينةِ والفينةِ، من وشائجَ إنسانيةٍ وعاطفيةٍ تحثُّنا على السعي لتطويرِ مستقبلِ أهلِنَا وأبنائِنا، مثلما تشعِلُ فينا الحنينَ الدائمَ إلى صانعِي مجدِنَا الأولِ وحياتِنَا المستمرةِ من جيلٍ إلى جيلٍ؛ ودامَتْ همّتُه وأصالَتُهُ”.
بلدية النبطية
وألقى صادق إسماعيل كلمة بلدية النبطية فقال: “نشهد لصور الأبيض والأسود أنها خلّدت أهلنا فينا، ونقلت إلينا تفاصيل شيقة من حياتهم الجميلة، في الزراعة والصناعة الحرفية والأسواق الشعبية وفي المدارس والملاعب والبيادر، وفي الأعياد والأفراح وحتى في الأتراح، ولكم تمنينا لو أن عصر الصورة لم يتأخر في الدخول إلى المدينة، وسبق زمن أجدانا إلى زمن جدودهم، لكنّا كحلنا عيوننا بما تتركه صور الأسود والأبيض من حنين هائل إلى المراحل الأولى من ولادة المدينة وتناميها. إنّ ما فعله علي مزرعاني شيّق ورائع، إذ راح يجمع صور الزمن الجميل لمدينة النبطية وضواحيها من كلّ بيت وشارع وحارة، بطول باع وإصرار مكناه من القبض على تفاصيل الحياة التي كانت تجري بين جدران المدينة وفي فضائها طوال عشرات السنين، ليكوّن شريطاً متراكماً شبه سينمائي، ساهم في لمّ الذاكرة النبطانية وحصر مجملها، وإغناء قيمتها التقنية والروحية والاجتماعية والفنية، من خلال نشرها في كتب متتالية لعبت طوراً رائداً في تعميمها وإطالة عمرها”.
وأضاف اسماعيل: “بوركت جهودك يا ابن هذه النبطية، علي مزرعاني ونشد على أيديك التي حمت ذاكرتنا البيضاء والسوداء من خلال جمعها، ثم من خلال نشرها، ونحيي معك عيون المصورين “الأوائل” الذين لولا عدساتهم ولولا همتك، لبقيت ذاكرتنا وهمية متخيلة متواترة. ونشكر كل جهد يبذل في سبيل جمع الذاكرة النبطانية ونشرها وتعميمها، وهذا إن دلّ على شيء فعلى أننا نحمل في دواخلنا الكثير الكثير من الوفاء والحنين لأهلنا وأجدادنا ولحكاية تطور النبطية اجتماعياً وثقافياً وتربوياً وفنياً، ونحن بدورنا في بلدية النبطية نعمل على توثيق المجريات الإدارية والفنية والعمرانية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، من خلال حفظها وأرشفتها، بكل السبل الآيلة إلى حمايتها، مثلما عملنا على توثيق ما وصل إلينا من ملفات البلديات السابقة وسجلاتها واجتماعاتها وأهم قراراتها. فباسم بلدية النبطية، رئيساً وأعضاء مجلسها، نتقدم بجزيل الشكر إلى الباحث في أتون الذاكرة النبطانية وموثقها الصديق علي مزرعاني وندعم كلّ خطاه ونرحب بمولوده الجديد “النبطية بالأسود والأبيض” ونعتبره مولوداً لكل النبطية وأهلها”.
سعد الزين
وتحدث رئيس جمعية “الجمعية اللبنانية للارتقاء بالمهارات” رجل الأعمال سعد الزين فأشار إلى أن “علي مزرعاني وحده، أرادنا أن ننظر إلى النبطية بقلبها الأبيض كقلوب أبنائها وأحلامهم، ومنديلها الأسود الذي لا يليق إلا بنا نحن الذين تآلفنا مع الموت والوجع كخبزنا اليومي وتكحلت عيوننا ببارود المدافع ودخان القذائف التي أورثتنا مجزرة بعد مجزرة. وها أن علي مزرعاني يأتينا اليوم بكتابه النبطية بالأبيض والأسود، يعني بحلوها ومرها، بأفراحها وأحزانها، بكل التناقضات التي عبرت ساحتها في أكثر من مناسبة وحقبة، وهو بكتابه هذا يضيء لنا دروباً نكاد ننساها الى ماضينا الزاخر والمزدحم بالاحداث، ويشير بالصورة الصادقة الى حاضرنا الموصول بمستقبل أجيالنا الواعدة. وهو يربط بين موروثاتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية، بين ماض صعب وحاضر أصعب، وغد غريب حتى عن أحلامنا وآمالنا”.
وتابع حول كتاب الجيش: “علي مزرعاني في كتابه الجيش والمؤسسة العسكرية التزم بإظهار العلاقة المقدسة المطهرة ما بين الجيش والشعب والمقاومة ليبقى تاريخنا معمدا بدماء الشهداء الأبطال من جيشنا الوطني ومقاومتنا الباسلة وشعبنا الأبي الذين صنعوا انتصاراتنا وصانوا كراماتنا، ورسموا لنا خارطة الطريق نحو العزة ورفعونا الى عين الشمس حيث العلى والعلم”.
العميد المتقاعد رمال
وكانت ختاماً كلمة العميد المتقاعد في الجيش اللبناني الدكتور محمد رمَّال فاشار إلى أنه “عندما طلب إليَّ الكاتب علي مزرعاني التحدثَ على ملصقات الجيش لم يكن يعرفُ أنه يُلقي حجرًا في المياه الراكدة، ويحاولُ أن يحفر في مخزونَ الذاكرة على عمق يمتد إلى أكثرِ من ثلاثة وثلاثين عامًا، ولم يكن يعرفُ أنه يعبثُ بتفاصيل أيامٍ ومحطاتٍ وأحداثٍ جلل، كان الملصقُ شاهدًا عليها، وناطقًا باسمها، وكانت صناعتُه أشبهَ بالولادة القيصرية التي لا تقفُ عند حدودِ صراخِ المولود للتأكدِ من بعْثِ الحياةِ فيه، بل تتعداه إلى تبني هذا المولودِ ومنْحه اسمًا، ومحوِ آثارِ الفوضى التي قد يخلِّفُها.
كلُّ ملصقٍ من هذه الملصقات له في ذاكرتي حكاية، وأنا القادمُ من أروقة كليةِ الإعلامِ بالجامعة اللبنانية أكتشفُ بالعلم والممارسة أن الإعلانَ الناجحَ هو الإعلانُ الذي يطرحُ الكثيرَ من التساؤلات في أوساط العامَّة، والإعلانُ الناجحُ هو الإعلانُ الذي ينقسمُ الناسُ حول مراميه، وأكتشفُ بالعلم والممارسة أيضًا أن الإعلانَ ينجحُ كلما كان غيرَ مباشرًا وغير تقليديًا ويطرحُ تساؤلاتٍ عن مدلولاته الحقيقية”…
وأضاف رمّال: “لقد تغيرت صناعة الإعلان في أيامنا، تطورت فنيًا لكنها تراجعت على الصعيد القيمي، ففي حين أفادت من تطور التكنولوجيا وقدرتها على الابهار ولفتِ الانتباه، فهي استغلت كلَّ مفاعيل الحداثة والتطور العلمي في غير حاجة الجمهور لإعلام صادق، بعيدٍ عن المبالغة والخيال والشعارات الجوفاء، مرة بهدف الكسب المادي، ومرة بهدف إثارة الغرائز من خلال استغلال المرأة في الترويج للسلع والمنتجات، ومرة بهدف الترويج السياسي الذي لا يتوافق مع الواقع، فأصبح الاعلانُ بدلًا من أن يحقق غايةً إعلاميةً تتصل بحقِّ الجمهور بالحصول على المعرفة، أصبح بمعظمه فارغًا لا يتوخى إلا كلَّ ما هو متخيَّلٌ وأجوف. أصبح للإعلانِ ضحاياه، فهو المتربص بنا على المفارق والدروب، هو شريكنا في جلساتنا وفي ما نشاهده ونقرأه ونسمَعَه في وسائل الاعلام، يحركُ اتجاهاتنا نحو الكثير من القيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتجارية، وأرى إلى أنه لم يعد ينمازُ عن الاعلام حتى ولو حاول النأي بنفسه جانبًا عن صراعاتنا وفوضانا التي تنتشر في كل اتجاه. ليس كل ما في الاعلان مردودٌ إليه، فهذا القطاع قد نجح على الصعيد الفني إلى أبعد الحدود، وللبنانيين فيه شركات رائدةٌ وخلاقة، وإعلانات الجيش كانت جزءًا من عمل هذه الشركات وإبداعاتها الفكرية والفنية، وقد كان لي أن أتعرفَ الكثيرَ من هذه الشركات، وأقفَ على حجم ما بلغته من مهارة وحرفية”.
وقال رمال: “علي مزرعاني لم يكن بعيدًا عن مسيرة الإعلام والإعلان في الجيش، بل كان فعَّالاً فيها بعدسته التي أرَّخت لكثيرٍ من الأحداثِ المشرقة والقاتمة في تاريخ الجيش والوطن، والتي أُرِّخت في شعاراتٍ وملصقاتٍ تشكل بالنسبة لي حكايةً غير مكتوبةٍ لوطن، وتاريخًا موثَّقًا لمسيرته. علي مزرعاني يجمعُ هذا التاريخَ في كتاب، في حين عجزَ القيمونَ على أمورِ التربية والبلاد والعباد عن وضْع كتابٍ موحَّدٍ للتاريخ، لأنهم لم يتفقوا على الماضي، وهم ليسوا متفقين على الحاضر، وبالطبع فإنهم لن يتفقوا على المستقبل”.
وختم رمال حول كتاب النبطية، فقال: “النبطية، بالأبيض دائمًا، وليسمح لنا المؤلفُ الكريم، حتى عندما كانت تتشحُ بالسوادِ حزنًا على شهدائها، كانت وأخواتُها من قرى الجنوب ودساكره تتقاسمُ فرحةَ النصر وأعراس الكرامة. أودعنا شوارعها طفولتَنا وشبابَنا، وتركت فينا مشاعرَ مزدحمةً كازدحام سوقِ الاثنين العتيق. كانت عيونُنا تلقي تحايا الصباح كلَّ يومٍ على واجهات محالِّها. وعلى دروبِها ركضنا ولعبنا وخفقت قلوبُنا ورفعنا اللافتات وهتفنا للحق. تغيرت ملامحُنا وبقيت تعرفُنا واحدًا واحدًا. النبطية أمُّنا التي تجمعُنا دائمًا، مدرستُنا التي أطلقتنا على دروب العمل والحياة، منارتُنا التي إذا ضاقت بنا السبل أرشدنا ضوؤها إلى البَّر. النبطية سوقنا، ومقهانا، ولأنها كلُّ هذا وذاك، فلن يتسعَ لها كتاب، ولن تتسعَ لها ذاكرة، ولو حاولنا، فستفيضُ على ضفافِ ذاكرتنا، وسيخرجُ الحبر عن صمته ويستولدُ من كلِّ كتاب كتابًا.
علي مزرعاني حرَّض قلبي عليَّ، وكأنه جمع عمرين من حياتي وأودعَهُما في كتابين منفصلين، عمرٌ يعرضه شريطٌ مصوَّرٌ من الصور، وعمرٌ ما زال يراهق في مدينة. فبورك إطلاقُ كتابيك الجديدين يا علي، وبوركت غزارةُ انتاجك، وأنا على يقين أن في جعبتك أفكارٌ وموضوعاتٌ تنتظر أن ترى النور في القريب العاجل، فلا تترددَ في منحها شهادةَ الولادة”.
بعدها وقّع المؤلف مزرعاني كتابيه للحضور.