العجز عن منع «قتل» الطيور لا يبرّر تنظيمه!

هل نقول وداعا لاخر حجل؟

تعطي وزارة البيئة (ومن خلفها وقبلها وحواليها) انطباعاً بأن افتتاح موسم الصيد اليوم هو أحد نجاحات الوزارة التي يعتد بها، بينما هو لا يتعدى كونه فشلاً ينضم إلى قائمة طويلة من حكايات الفشل في كل مرافق الدولة البيئية

رياض صادق

ينضم ملف الصيد البري الفاشل في حماية الأنواع إلى الفشل والضياع وتدمير الأملاك البحرية والنهرية وسلب هذه الأملاك. وشح وتلوث الموارد المائية ومحاولة إيجاد حلول غير ناجعة عبر مشاريع سدود مثيرة للريبة والجدل. والعجز المستمر في حل مشكلة النفايات الصلبة.

صيغة «افتتاح» موسم الصيد لا تليق بوزارة البيئة (بدل القول بـ «السماح» بافتتاح الموسم) لأنها تستحضر الى الذهن صورة سوريالية «يفتتح» فيها وزير «البيئة»، وهو الصياد العتيق، موسم الصيد هذا الصباح مطلقاً أول طلقة ليردي فيها أول طريدة ويقوم على مرأى من الصحافة ووسائل الإعلام، وتصفيق وتشجيع جمعيات بيئية، بقتل الكوتا المسموحة له يومياً، فيرينا الدقة في حساب أعداد وأنواع ما سوف يقتل في هذا اليوم المجيد. وتصدح في أروقة وزارة البيئة أنشودة «طللو طللو الصيادين وسلاحهن يلمع» على أن يكون هناك عزاء للقيمين على حماية التنوع الحيوي في الوزارة واطمئنان على بعض الأنواع لأنها «من وادي لوادي، ما قدروا عليها الصيادي».
يخرس أمثالنا وينضمون الى هذا العرس الوطني الذي ترعاه الوزارة والدولة ونتلقن ثقافة الصيد من الجمعيات البيئية المتمرسة في تلقين ثقافة الصيد «النبيلة»!
ولكننا بكل حرقة لن نستطيع أن نأخذ الصور التذكارية نحن وطرائدنا لأن قانون الصيد يمنع ذلك. هل هناك مشهد أكثر سوريالية من هذا؟

الصيد «واقع» على من؟

يجادل كثيرون ومنهم وزير البيئة ومستشاروه، أن الصيد أمر واقع والمنع الذي فرض منذ حوالى عشرين سنة لم يحد منه، ولكن أدى الى فلتان غير مسبوق. وهي حجة غير مقبولة لأن المنع وقتها أدى بالفعل الى الحد بشكل كبير من نشاط الصيد الى أن قام وزير الداخلية سيئ الذكر وقتها (ولا ننسى سخريته من الحريصين على حماية الطبيعة) بإعلان عجز الدولة عن ضبط الموضوع بحجة نقص العناصر الأمنية، فأفلت العنان في صباح اليوم التالي للبنادق على أنواعها، فيكون عملياً قد أوعز للجميع بأن «افعلوا ما يطيب لكم وسنغض الطرف». وهذا هو الأمر الواقع الذي استدعى برأي البعض قانون الصيد الجديد وتنظيمه!
اذا كان هذا هو المبدأ، أي اذا كانت الجرائم في المجتمع أمراً واقعاً، فما رأيكم بتطبيق مبدأ «الجريمة المنظمة»؟ العجز عن تطبيق قرار منع قتل الطيور، لا يبرر التنظيم! أين الجمعيات؟!

أين مساهمة الجمعيات خلال العشرين سنة الماضية في مكافحة ثقافة القتل العبثي على المستويات الاجتماعية والتعليمية وهي مشغولة بتقديم مشاريع «الصيد المنظم» أو «المثقف» أو «المسؤول»… بحجة خبراتها المميزة في هذا الحقل!؟ لماذا لم يقوموا وقتها بحملات لمنع إعلانات الصيد (وهي كانت غير قانونية في ظلّ المنع).
يدعي البعض أن قانون الصيد الجديد وتطبيقاته الحالية تراعي المعايير الأوروبية كأن الأمن والإدارة والسياسة والثقافة والفساد المستشري على كل المستويات وكل شيء في هذا البلد يضاهي المقاييس الأوروبية ولا ينقصنا إلا قانون صيد يرقى الى مستوياتنا الحضارية.

وفرة الأنواع!

يفكر البعض ويتصرف كأن هذا البلد في وضع بيئي مرتاح ومتفوق مع وفرة في الأنواع والمواطن البيئية السليمة وكأن المناخ لا يتغير وكأن الأنهار تتدفق كما في الأيام الخوالي ولا تجف في أوائل الصيف. تعقد الوزارة ندوات ثم تصيغ وتدشن استراتيجيات مستقبلية للتنوع الحيوي ثم «تفتتح» هي نفسها بعد أشهر (ضمن هذه الاستراتيجيات؟!) موسماً لصيد الحيوانات على أنواعها.
يتستر الوزير خلف قرارات «المجلس الأعلى للصيد البري»، كأن هذا المجلس منزه في عليائه. الوزير نفسه صياد وربما باقي أعضائه صيادون أيضاً! وماذا يفعل تجار اسلحة الصيد ونوادي الصيد في هذا المجلس؟ واين نزاهة الأعضاء البيئيين العلمية وغير العلمية من هذا المجلس ومع ممثليه؟ هل كل هؤلاء لا ينامون حرصاً على سلامة مكونات محيطنا الحيوي؟

عن أي ضبط تتحدثون؟

ينطلق موسم الصيد اليوم ولم يتعدَّ الحاصلون على رخص صيد 6000 صياد. هل نصدق أن عشرات الآلاف الباقين سوف يتعففون عن الصيد، أو أن السلطة ستقمعهم على أساس أنه تم تدريب 400 عنصر على تطبيق قانون الصيد؟! وإذا قسمنا هؤلاء الى دوريات، سيكون نطاق عمل كل دورية من عنصرين أكثر من 160 كلم مربع، وهي أكبر من المساحة التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش في الجرود الشمالية الشرقية. هل سيقوم الشرطي بضبط مخالفات العناصر الأمنية والعسكرية التي لن تلتزم بالقانون ومدرجاته؟ ولماذا لم يتم ضبط من ابتدأوا الموسم «ديجاه» غير عابئين بقانون وموسم؟ عن أي ضبط وتنظيم تتحدثون؟

موسم صيد أم انتخابات؟

هل ما تفعله السلطة والوزارة لا يتعدى كونه افتتاحاً للموسم الانتخابي وارتهاناً للمصالح الانتخابية كون «الصيادين» على مختلف تسمياتهم جزءاً لا يستهان به من ناخبيهم وليس من الحكمة الانتخابية استعداؤهم الآن. اذا كان المواطن اللبناني يستمر ويتمادى في تدمير بيئته من خلال الصيد وسائر نشاطاته المدمرة ولا تجد عند زعمائه وقياداته الجرأة في إرشاده وتوعيته وردعه… فبئس هكذا ديموقراطية لا يمكن وصفها الا بتانغو فساد يتراقص فيها مواطن مع سلطة فلا تنتج الا الفشل والخراب والفوضى الذي نراه في كل مكان من بلدنا.
كما يغيب عن ذهن البعض المحلق في سكرات القتل العبثي ان الذي ينأى بنفسه عن مشاكل البلد البيئية ويمعن في تدمير البيئة الطبيعية، لا يحق له أن يتطلب بيئة سليمة وأن يتوقع أن لا يغرق في النفايات والمجارير. ومن لا يستوعب الرابط بين الناحيتين لا يحق له أن يكون قيماً على شؤوننا البيئية.


تقديرات متشائلة

تقدر مصادر وزارة البيئة، التي تشكو من انهمار طلبات رخص الصيد اليها كانهمار المطر هذه الأيام (بمعدل يتراوح بين 150 و200 طلب رخصة يومياً)، ان يصل عددها الى عشرة آلاف رخصة. وهي تعتبر ان هذه النتيجة ستكون إيجابية جداً، لأن إجراءات تنظيم الصيد ستحرم ما يقارب تسعين ألف صياد من الصيد العشوائي، اذ كان عدد الصيادين في لبنان يقدر بمئة ألف صياد!

“الأخبار” بيئة
العدد ٣٢٧٥ الجمعة ١٥ أيلول ٢٠١٧

 

على الحافة | موسم العيوب

حبيب معلوف

“فتح موسم الصيد” (اليوم) اعتداء وتطاول على حقوق الغير. كيف نسمح لأنفسنا أن نتحدث عن “موسم” الصيد البري لأجمل مخلوقات الأرض كالطيور، كما نتحدث عن موسم العنب والتفاح؟! فهل نحن زرعنا وتعبنا في تربية الطيور البرية حتى يأتي يوم نجني ثمار ما زرعنا؟!
من الذي ابتدع هذه المفاهيم المتعالية والمضللة، مثل الصيد ومواسمه، المفرطة في استغلالها للكائنات الحية؟

مرحلة الصيد، “مرحلة” من تاريخ “التطوّر البشري” وانقضت مع اكتشاف الزراعة. مرحلة كان فيها الإنسان يصطاد (ويقتل) لكي يعيش. وإذ لم يعد هناك من حاجة للصيد من أجل البقاء، كيف نقبل اليوم أن يصبح القتل هواية؟!
كتبنا الكثير فترة مناقشة التعديلات في قانون الصيد البري (بين عامي 2003 و2005)، لا سيما يوم كان وزير البيئة فارس بويز (الصياد). استفاد يومها هذا الأخير من موقفنا، بأن الطيور البرية ليست من صلاحية وزارة الزراعة، ليطالب بنقل صلاحية “تنظيم” الصيد وفتح الموسم له (لوزارة البيئة بعد أن كان في وزارة الزراعة). إلا أن خلفية موقفنا آنذاك، كانت تنطلق من حقيقة أن الطيور البرية كما كل الكائنات البرية، ليست ملكاً لأحد ولا يحقّ لأحد التصرف بها وقتلها أو الإتجار بها… مطالبين بمادة في القانون تمنع الإتجار بها حية أو ميتة، (إذ كانت في تلك الفترة لا تزال أعدادها أكبر، وكان هناك من يصطادها ويبيعها للمطاعم أو على الطرقات، أو من يحبسها في أقفاص ويبيعها حية).
كما طالبنا، كتسوية تاريخية ومرحلية، أن يسمح بالصيد بالأدوات البدائية فقط كقوس النشاب أو “النقيفة” (التي تعتمد على الحجارة)، وذلك انطلاقاً من معادلة علمية وطبيعية تقول، إن الطيور لم تطور تقنيات عيشها وآليات حماية نفسها، وهي لا تزال تصنع أعشاشها بنفس الطريقة، بينما “طوّر” الإنسان أدوات الصيد والقتل والاحتيال (بآلات تصدر أصواتاً شبيهة بأصوات الطيور لاستجلابها وقتلها أو حبسها) بشكل غير عادل، مما سيحتم فناء الطيور بعد فترة!
ضمن هذه الشروط فقط كان مقبولاً الحديث عن “تنظيم الصيد” مع أن فكرتنا الأصلية آنذاك كانت تقضي بالمنع الكلي بالصيد والمطالبة بتحوير الهوايات والترويج لتعابير أقرب إلى البيئة مثل مراقبة وتصوير الطيور بدل صيدها. وكانت هذه هي المهمة الأصلية لوزارة البيئة، كما كنا نعتقد.
أثناء مناقشة تعديل قانون الصيد البري في مجلس النواب آنذاك، كان النائب سامي الخطيب قد استعان بخبير أجنبي بقضايا “التنظيم”، الذي غير رأيه في الاجتماع وأيد موقفنا… وقد نجحنا يومها في جلسة إحدى اللجان النيابية بوضع هذه الأفكار في مادتين في القانون المعدل، ولكنها عادت وطارت في اللجان المشتركة والهيئة العامة وصدر القانون بصيغته الحالية.
كنا نعتقد أن تدخل ابنة رئيس الجمهورية سيكون باتجاه إعادة طلب تعديل القانون بهذا الاتجاه، بدل المطالبة بإعادة فتح موسم الصيد وتطبيق القانون ومراسيمه الشائنة… والاستماع لأصوات الطيور لا لأصوات تجارها وتجار أسلحة وأداوت صيدها والصيادين.
كنا نعتقد ان التدخل سيكون للمطالبة بالتشدد في تطبيق قرار المنع الكلي للصيد، لحين القيام بالدراسات اللازمة على الأقل واستكمال البيانات حول حالة الطيور والحياة البرية عامة في لبنان، مؤكدين أن أحداً لا يستطيع أن يدّعي أنه درس ورصد حالتها بشكل مقبول، وأن أحداً من “الخبراء” يمكن أن يسمح لنفسه بالقول أو الإفتاء بما هو مسموح وما هو ممنوع صيده (وعلى أي أساس)، وأن هناك من يستطيع أن يحدد الأعداد المسموح صيدها أيضاً! وهذه الفضيحة العلمية الأكبر.
وإذا أردنا العودة إلى قانون البيئة، والذي ناضلنا طويلاً لكي تمنح الأولوية فيه لمبدأ الاحتراس على “مبدأ الملوث يدفع”، كان حرياً أن يترجم بقانون الصيد البري، بمنع الصيد احتراساً، لعدم معرفتنا ما هي حال الطيور عامة وما الذي انقرض أو في طور الانقراض منها، بدل تطبيق مبدأ، ادفع واقتل. ادفع مئة ألف ليرة ثمن رخصة صيد واقتل أجمل الطيور التي لا تقدر بثمن!
فهل لا زال بالإمكان التراجع عن فتح موسم الصيد، أم نكون قد دخلنا في تكريس موسم العيوب؟

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: hmaalouf@al-akhbar.com

“الأخبار” بيئة
العدد ٣٢٧٥ الجمعة ١٥ أيلول ٢٠١٧