لا يداني بحر عمشيت إلا صوتك مارسيل

كامل جابر

منذ أمد بعيد، لم يتفوق صوت على هدير بحر عمشيت، إلا صوتك يا مارسيل…

تراه لماذا ينحني سيد اللجج أمام «فتاه» العائد إلى وطء الصبا؟ كان بالأمس هناك يهرول على الرمل الفضّي، يرسم عليه نوتة طفولته الحالمة باحتضان كل هذه الزرقة التي تكدست ماءً وفضاء، ها أنه يعود اليوم بسحر من ذهب…

في الليل الحافل بالصوت والموسيقى والكلمات والحب والذاكرة والوفاء، يخشع هدير بحر عمشيت أمام صوتك، يرفعك صياداً للهفة والأحلام والانتشاء من غير مُدام… حاولت أن أسمع هديره، أو لحن التلاطم الموجيّ المعتاد، لكنني، لم أجد ما يدثرني إلا ما أغدقته علينا من إيقاع وصوت ورذاذ صيفي ينعش القلب والعقل ويلقي على أرواحنا السلام.

قلت كل ما أردته أن تقول… ولم تعاتب من أجحفك وأبعدك من غير سبب، في سنوات مضت، ربما قاربت الأربعين، إلا لأن صوتك ولحنك ظلا عابرين لكل المسافات والحواجز والكانتونات…

وبعد ركوة عرب… لا بد من تحية إلى أمّي، إلى ماتيلدا التي كنت تتمنى أن تكون حاضرة «وهي حاضرة هنا»… وإلى ميشال خليفة… وتعبر بالوفاء نحو الراحلين الكبيرين محمود درويش ومحمد العبدالله ومع الحاضرين هنا أو أبعد قليلاً، المبدعين طلال حيدر، نقولا دانيال وشربل روحانا وغيرهم…

أيها العائد إلى شاطئ عمشيت بعد أربعة عقود، في كلّ مرة أسمعك، أشعر وكأنني أسمعك للمرة الأولى، فيغمرني ذاك الانبهار العظيم، وأنت في كل مرة تخرج إلينا من هذا البحر أو ذاك، تخرج لتداعب كل مشاعرنا وأحاسيسنا وعقولنا وأفكارنا بهذا السحر الجميل، سحر الصوت والموسيقى والتوزيع، وهذا الغدق على وجوه شابة تطلق إبداعها «المكبوت» في زواريب السياسة والقيمين على المعهد العالي للموسيقى، فتسميهم اسماً إسماً…

أما رامي، فهو ابن أبيه ولو من خلف أزرار البيانو، ينطلق بنا في إبداعه الموسيقي المحلق أبداً بين التلال والأودية حيث «هناك من يدافع عن الأرض والوطن»، وهناك من «لبسوا الكفافي ومشوا…».

يحفظ الجمهور كلماتك وألحانك كلمة كلمة ولحناً لحنا، وفي كل مرة تراه يأتي لينشد معك أحلامه وأمانيه وثورته… ولو كان من بينه «من لا يحفظ الكلمات، أو لا يعرف أن يحكي عربي».

مارسيل خليفة… لا يداني بحر عمشيت، الممتد من أقصى شمال الوطن إلى أقصى جنوبه، إلا صوتك الهدار «يا بحرية هيلا هيلا…»… أما الماء فيكفيه كل النشوة التي أسقطها عليه سحرك، تلك الليلة التي لا تعوض، فظل سكراناً حتى آخر جيل…