عامان على الرحيل… الأستاذ لطفي فرّان في حضرة صديقه الشاعر عبد الكريم شمس الدين

 

لطفي فران

«ما كان اصعب وقعه يوم السبت 21 شباط 2015»

كم هو صعب أن أكتب عن نفسي، وكم هو مؤلم أن أتجول في النبطية كعادتي، فمن أُولى محطات توقفي تكون في الماضي قرب من أحبّ وأحترم، في القلب مكانه من الأحبة الأعزاء ومن طليعتهم، أتحاشى دائماً الإرتباط بموعد قبل الزيارة لأن الوقت سيطول، الحديث والتحدث عن ذكريات محبّبة إلى قلبي، وأعشق حديث من أزوره، كلما هممت أن أكتب عن هذا الرجل، الرجل الصديق الحبيب العزيز، أجد نفسي وكأنني سأمدح نفسي، فأهرب من ذلك خشية أن يقال ما يقال في حالة مشابهة؟

الأستاذ “عبد الكريم شمس الدين” شاعر الجنوب الرصين، صاحب البيت المضياف لسهرات تنتهي قبيل طلوع الفحر بقليل، إن كان في منزله الأول في حي الميدان أو في مقرّه الثاني مقابل مدرسة الأمركان. كان إستقباله بسلام ليس كسلام معتاد، بل كان بصرخة يصدح بها وينادي “عجّلي بالشاي يا أم علي”، لن أندب ما حصل فالجرح ما في القلب بالقلب، وتلك أمور يحز بنفسي ذكرها ولن انساها.

اتقوقع بقرب هذا العزيز ناصتاً صامتاً كي لا يفوتني شي من حديثه العذب المخلص الشفاف، الأستاذ عبد الكريم شمس الدين، علم رفرف في رحاب النبطية، واينما حللتُ في بلد عربي (اقوم بتنفيذ مهمة عمل)، كان اسم عبد الكريم شمس الدين الأديب والشاعر يطرق مسمعي، وما زلت أذكر ما قاله عنه الدكتور عبد السلام العجيلي في بلاد الشام، وما كان يقوله الأستاذ حسيب يوسف في تلفزيون عمان، وما كان يردّده خليفة أحمد خلفان، ومانع سعيد العتيبي في أبو ظبي وما كتبه الأستاذ ادمون اسطه في جريدة الإتحاد وعلى فترات متعددة، وما كان يردّده سعيد النعيمي الشاعر المقرّب من أمير دبي. أي منبر في البلاد العربية لم تنتصب قامة عبد الكريم شمس الدين عليه، في العراق حدّث ولا حرج. عبد الكريم شمس الدين الإنسان المتواضع اللطيف الشهير المنزوي في منزله بالنبطية، ومشهور في غيرها من عواصم الدول العربية. هو الجنوبي العاملي الأصيل ولد من نسل عائلة كريمة في بلدة «مجدل سلم» عام 1935م، انتقل إلى النبطية ليتلقّى علومه في مدارسها، فإذا به من أهلها وسكانها، يعرف خفايا عقاراتها ومساحتها. على صلة بجميع أهاليها وعلاقته ودّية مع الجميع. تزوج منهم وكان منزله أول منتدى ثقافي خاص «بيتي» تتجمّع فيه وبإستمرار دائم شلة من الشباب والأصدقاء، فكم من نادرة طريفة ذكرت في مجلسه وكم من حوار حول أمور متعددة كان محور نقاش حول «بكرج الشاي».

أول انتاج للشاعر عبد الكريم شمس الدين نشر في عام 1963م، ديوان تحت عنوان «ظــلال»، وفيه قال :

ومعجزة أن يعيش شباباً ولو عمره بلغ الألف عام
فراح كطفل يـراود نهـدا    وما بلــغ العهـــد الفطـام

عبد الكريم شمس الدين لم يكن الشعر عنده صناعة وتركيب توازن قافية، بل مصدره إلهام وشعور، تراوده الأحلام ويعشق الجمال، وفي مرحلة من مراحل مساره كان يقوم بنقلة نوعية مميزة وخاصة به، وكان لديه شغف المطالعة والمتابعة لأعمال غيره من الشعراء القدماء والمعاصرين ولكنه كان يأتي بالجديد. كتب الشعر العامودي والشعر التفعيلي ولا يؤمن ولم يكتب النثر، لأنه كان يقول بأنه «حكم بالإعدام براءة» فكيف ينفذ حكم كهذا، وكان يؤمن بأن الشعر التفعيلي هو الشعر الموزون وله نغم موسيقى وقيود لا يجوز الخروج عنها، فهو على الدوام لم يصنع الشعر ولا فَكّر في يوم بهيكليّة مسبقة للقصيدة ولا تعمّد الكتابة وإختيار الموضوع لقصائده، فكان كل ذلك يأتي إليه ولا يسعى هو إليه. هو شاعر مخضرم وتربطه علاقات صداقة بغيره من الشعراء، فكم من مرة استراح الشاعر نزار قباني في ديوانية عبد الكريم خلال زياراته للنبطية، وصدقت مقولة الشاعر الكبير بشارة الخوري «الأخطل الصغير»” عندما كتب إليه «شاعري الحبيب، إنك ولا ريب واصل إلى الذروة، والعهد بينكما غير بعيد»؛ وإذا بعبد الكريم شمس الدين، كضوء قنديل يسطع في سماء الدول العربية، وصار من المؤسّسين لحركة شعر حديثة أخذت مكانها المرموق في منتصف القرن العشرين، وعاصر كبار الشعراء من الأخطل الصغير إلى عمر أبو ريشة إلى سعيد عقل إلى نزار قباني ومظفر النواب والفيتوري، وتغنّى بقصائده الأستاذ وديع الصافي والسيدة نجاح سلام والسيدة نور الهدى والأستاذ عاصي الحلاني، وتوجهت إليه الدعوات واستضافته دول عربية ومنها سوريا والأردن وتونس وليبيا والكويت وتونس والعراق، واقيم له العديد من مهرجانات التكريم وقدمت له دروع وشهادات التقدير، وتقاسم مع نزار قباني وبجدارة لقب شاعر المرأة والتغزل بها، فما أروعه حين يقول في ديوانه «ظلال»:

لا تسأليني من همــا عيناك  سحـري منهما
لا تعجبي من شاعر أضحى بوحيك ملهما

فهل وصل عبد الكريم شمس الدين إلى الإباحية أو اقترب منها أو انه صادق المشاعر حين يقول:

مع الشاعرين نزار قباني وياسر بدر الدين

وإذ بـي أجني من الثغــر شهـدا لست أخشى إن جئته اقتحامًـا
وليقل ما يقوله الناس لـذَّ الحب  أغـلــى منهـــم وأعلـى مقامـا
وفي قصيدته المحببة إلى قلبي «بوحك يغري»:
كل حروف اللغة إذا جاءتك
تحاور فيك الذات
فلأن بها أسرار حياتك
لا تشتبكي معها بعراك
أو حين يقول:
أحسُّ أني الوحيد
فمن يؤنسني في ما تبقى لي من زمان
أجهل هل يقصر أم يطول
ولست مالكًا حولاً ولا طولاً
الكل قد أطاعني واستسهل العصيان
وها أنا في وحدتي ووحشتي أفتقد الحنان
أحسّ أن شارفت النهاية وضاعت البداية
والقلب ماعاد به حب ولا غواية.
رويك مهلاً يا شاعر الجنوب الرزين أو لست انت القائل:
«أسقط ولا أستسلم»،
أسقط لكن لا أقنط
عشت قليل حلاوات وكثير مرارات
قلبي يأبى لي أن أحيا زاد الأحلام أو الأوهام
فأعيد برغم مشيبي بعض شبابي
من منشورات الشاعر عبد الكريم شمس الدين:

«ظلال» (سنة 1963).

«مواسم» (سنة 1965).

«الحب أحلى» (سنة 1967).

«الفجر المدمى» (سنة 1969).

«قصائدي لكم» (سنة 1972).

«بين حد الحرب والحب» (سنة 1981).

«أغنيات عشق جنونية» (سنة 1982).

«ظل وجهك» (سنة 1993).

«الأعمال الشعرية» (سنة 1997).

«جسد حاصره الحب» (سنة 2000).

«في انكسار جرحي في انتظار فرحي» (سنة 2001).

«أشواق مسافرة» (سنة 2003).

«آخر الكلمات» (سنة 2003) نشر هذا الديوان بخط يده.
«لصيق بك القلب» (سنة 2007).

«أدرك وجهك خلف الحصار» (سنة 2008).

ديوان «وتبقى القصيدة شاهدة»( 2011).

وهناك أعمال كانت جاهزة للنشر لا أعلم ما ذا حل بها .