داوود مكرما الفنان شربل فارس: “له منا كل التقدير والثناء أحد راياتنا التشكيلية الحديثة”

السبت 12 تشرين الأول 2019 الساعة  22:04 تربية وثقافة

وطنية – كرم اتحاد بلديات إقليم التفاح، و”المجلس الثقافي للبنان الجنوبي”، ومشروع “تراثيوم مكنز الذاكرة”، و”جمعية بيت المصور في لبنان” وجمعية “الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت”، الفنان شربل فارس، باحتفال أقيم في “محترف الفنان شربل فارس” في بلدة صربا في النبطية، تحت عنوان “خمسون عاما من العطاء- اليوبيل الذهبي”، برعاية وزير الثقافة محمد داوود داوود وحضور شخصيات وفاعليات ومهتمين.

جابر

بعد النشيد الوطني، ألقى الزميل كامل جابر كلمة، باسم الجمعيات، فقال: “في عيد عطائك شربل فارس، يخبو الكلام، ويستحي المطر، كيف لا، وقد هل مهرجان موقظ الصخر من كبوته، من دوزن الطين وأنطق الحجر، وعلى إيقاع أنامله زغرد اللون، وفوق شعاع ريشته رقص الشجر”.

أضاف: “شربل فارس، بين يراعك وإزميلك وريشتك، عاشت الذاكرة القروية والوجوه التي أحببت، وعبر المقاومون والشهداء والمبدعون ورجالات العلم والفكر، بل عادوا ليرسخوا من جديد، يا لصلصالك أحيا من أحيا، وحبرك جلجل الخيل والسير، فأي محراب أنت سيده، عند عتباته يتفتق الجمال، وفوق شباكه يحط القمر، في يوبيلك الذهبي وبعد خمسين حولا من الإبداع، هل فيها مطرك غزيرا صيفا وشتاء، نهنئ أنفسنا أننا عبرنا في زمانك، فتكحلت أعيننا بجمال أنت صانعه، وحاكت ألبابنا كريمات الدرر”.

وتابع: “طوبى لفنك، لم يبرح مكامن الأصالة، وإبداعك، الذي عرف كيف يقاوم وينتصر، والمقاومة عايشتها حبرا ورسما وكتابة ونحتا، فما أغنى كتابك، نقرأ فيه إرث خمسين سنة وسنة، وفي كل صفحة من صفحاته، زمن من أزمنة النضال والجمال والشموخ والسريالية والفن الكمال”.

وختم “باسم جمعية بيت المصور في لبنان والجمعيات المشاركة، نبارك لك ولأنفسنا، هذه المسيرة الغنية، بكل ما فيها من حلو الثمر، وأنقى العطر ولك ولسناء ظلك الوارف، كل التقدير والاحترام وكل الحب، وشكرا للبهجة التي بعثها فنك في أرواحنا، حتى بتنا عاجزين عن الوصف…شربل فارس شكرا لك”.

شحادة

وألقى رئيس اتحاد بلديات إقليم التفاح بلال شحادة كلمة، فقال: “يجمعنا المشهد والألوان والحجر والشجر والريشة والإزميل، تحملها كفا فنان غرق في روعة الألوان والغبار الجميل، ليرسم لوحة تحمل وطنا ووجوه أناس وترابا مضمخا بالعطر والحنين، ليمسك بصخرة، فيجعلها جمالا ونحتا، لمشهد يهاجر من صلب الصخر إلى القلوب الوالهة للروية”.

أضاف: “الفن هو روح وعصارة تجربة عريقة من اللون الجميل، اللون الذي يرسم الجدارية للوحة تشكيلية، تستمطر في غمامات ألوانها هذا الإبداع، من قلب الفنان شربل فارس، وشربل فارس اسم ورمز وعنوان، تستطيع أن تدخل معه، ولكن لا تستطيع أن تكون مكانه، له فرادته، التي لا تشبه إلا وجهه وقلبه، يجدل اللون خمائل، ويجعل من الصخر مشهدا آخر، لا يمكن لك، إلا أن تراه بكل زواياه، تنتشر عند أنامل تجدها في كفي الفنان المحتفى به”.

وتابع: “إن الفن هو من روح هذا الوطن والجبل في لبنان، حكاية ورواية ودليل على الوطن، كلما حملنا الألوان، كلما انفرج القلب وفاض الرحيق، ونحن في اتحاد بلديات إقليم التفاح، هذا الإقليم المقاوم الذي ضحى وبذل التضحيات وقدم الشهداء والجرحى، هذا الاتحاد الذي يقف اليوم مع ألوان الفنان ويهاجر في لوحاتها”.

وقال متوجها إلى المحتفى به: “نكرم اليوم فنانا عريقا في حب الريشة والإزميل، عندما نكرمك، نكرم أنفسنا، لأن الفنان هو ممثل كل القلوب، والوطن هو الفنان، والفنان لا ينتمي إلا إلى القلوب، كلما وجدت صورة الوطن الموحد بجيشه وشعبه ومقاومته، الفنان يجمع الوطن، ينام قرب ألوانه، الفنان هو الطابع البريدي إلى قلوب الناس، هو الحاضر في الوجدان روحا ونصا”.

أضاف: “نوجه التحية للفنان اللبناني المتألق، برعاية العزير معالي وزير الثقافة الدكتور محمد داوود داوود، لنقول لكم يا معالي الوزير، إن هذا التكريم هو واجب لفنان عريق عرف قيمة الفن، وكم من الفنانين الآخرين يستحقون التكريم، واليوم تدأب وزارة الثقافة من أجل كشف اللئام عن هؤلاء المبدعين في مسيرة العمل الفني”.

ووجه كلامه إلى داوود فقال: “معالي الوزير، رعايتكم هي بمثابة إطلاق العنان لروح الفن اللبناني، معا نبقى بلديات ووزارات في مسيرة حفظ هذا التراث العريق، ومعا نعلي راية الفن الأصيل اللبناني”.

روحانا

وألقى رئيس “جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت” ميشال روحانا، كلمة، فقال: “الفنانون لا ينظر إليهم من زاوية الإبداع فقط، إنهم أبطال التاريخ، إنهم نجوم من وجدان الشعوب والحضارات، فنانو الكلمة والأدب والشعر واللون والنحت والمسرح، إنها لغة صلاة، تنفعل بالجمال والخيال والماورائيات، كأنهم اختيروا من فوق، رسل هداية إلى الخير والحقيقة، كيف لهذه المواهب إذا اجتمعت في شخص المكرم اليوم، فهي الدليل والبرهان على الرقي الحضاري والتطور الفكري وأكثر”، معربا عن سرور “جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت، أن تشارك بتكريم أحد أعضائها، الذي نفتخر بإنجازاته وعطاءاته في الفن والثقافة”.

واستأنف: “منذ طفولته، سطع حبه للحرية، عايشه، وما زال ينمو في أعماله، وأيضا جرته هذه الطفولة وشغفه بالقرية وحياة الفلاحين والكروم وأرض الزيتون، إلى الأفق الخيالي والبعد الفضائي، ولم لا، فهو خريج مدرسة الحرية (مدرسة عرزال صربا)”.

وأشار إلى أن “صورة وروح جبران خليل جبران، حاضرة في تجاربه المتنوعة الخطوط، من السوريالية إلى الانطباعية إلى التعبيرية والتجهيز حتى النحت، جال على معظمها وتميز فيها”.

ولفت إلى أنه “من رواد الفن التشكيلي والنقد الفني، عايش واقع التغيرات على الساحة اللبنانية، فكانت أعماله ومعارضه تحاكيها، وتعكس بعناوينها جميع هذه المراحل، رفض الواقع المتخلف فتمرد بفنه وأبدع من المأساة، رسم في شعره قبل أن يمسك الفرشاة ونحت من شعره قبل أن يطرق الإزميل، غزير الإنتاج عمل على إنجاز أنصاب عديدة لكبار المشاهير والفنانين، الذين لهم بصمتهم في التاريخ، دافعه الوحيد ثقافي وإنساني. إنه الفنان الفاعل والمتفاعل دوما، ظروفه ومعاناته صقلته وصهرته، ليكون فنانا أصيلا”.

وقال: “ها هو قد عاد إلى الحضن الذي ألفه، إلى صومعته هذه البقعة الصغيرة، في المساحة المشرعة على الكون أجمع”.

وختم “هنيئا لك يا شربل بهذه المسيرة الغنية، وهنيئا للفن والفنانين، يا متعدد المواهب، أغنيتنا ورفعتنا، إنك تعلو بتواضعك، شكرا لأنك أنت”.

شمس

وألقى ابراهيم شمس كلمة باسم “المجلس الثقافي للبنان الجنوبي”، فقال: “خمسون عاما من الجهد والعمل الدؤوب المضني، كرس خلالها حياته لخدمة قناعاته، التي آمن بها، وناضل من أجلها، وهي حرية الإنسان وعيشه الكريم. هو شربل فارس ابن صربا، هذه البلدة الطيبة الجميلة من جنوب لبنان الحبيب، اتسم بروحه الطيبة وتواضعه الجم، المقرونة بعنفوان الثورة على الظلم والقهر، ومناصرة كل دعوة أو تحرك ضد الاستبداد والمطالبة بالحرية. مارس مهنة الصحافة كاتبا وناقدا فنيا، فكان لقلمه المرهف وإزميله المطواع، شأن هام في عالم الفن التشكيلي والأدب”.

أضاف: “هو عضو بارز في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، وكان ولا يزال رئيسا للجنة الفنية فيه. وله الأيادي البيضاء، في إقامة المعارض الفردية والجماعية لفنانين وفنانات لبنانيين وعربا، باسم المجلس وقد أقام هو لنفسه العديد من المعارض”.

وتابع: “حباه الله موهبة الرسم والنحت، فتألق نجما، وأبدع فارسا في هذين الفنين، كصاحب قضية يناضل من أجلها، هي كرامة الإنسان وحريته. يتناول الصخر فيأخذ منه ويعطيه، يأخذه جلمودا صلبا، لا معنى له، فيعمل فيه إزميله برشاقة، ويبث فيه روحا ومعنى، ويضفي عليه مسحة من جمال روحه”.

وختم “هذا هو شربل فارس الفنان المبدع المعطاء، الذي نحن اليوم بصدد تكريمه، إذ في هذا التكريم، تكريم لكرامة الإنسان وحريته، وتكريم للابداع. مبروك لك صديقي وعزيزي يا أستاذ شربل هذا التكريم، فأنت بموهبتك، وبما تؤمن به من مبادئ وقيم إنسانية، أنت وسام على صدر الفن التشكيلي”.

فارس

ثم ألقى المحتفى به كلمة، استهلها بالقول: “خمسون عاما ولم ينته بعد مشواري الفني الطويل، بل وكأنه يبدأ اليوم، هناك الكثير لأقوله نحتا ورسما وكتابة، خمسون عاما وأعود إلى هذه البقعة الطيبة، حيث نحن الآن، أعود لأحط فيها رحالي، ألملم فيها أذيالي الملونة وبسماتي وآهاتي المتحجرة، أعود إلى ملجأي الأخير وملاذي الوحيد المتبقي لي، وعلى منكبي جعبة محشوة بالنحت والرسم والكتابة، أركع على ترابها أتلو صلاة الإنسانية بالإزميل والفرشاة والقلم، على كل السامعين والمشاهدين على اختلاف عقائدهم ومشاربهم الدينية وتوجهاتهم العلمانية”.

أضاف: “خمسون عاما وتعود بي الذاكرة إلى هذا الكرم العتيق، كرم “النقابة” هنا، الذي كان دنياي الوحيدة، تحده صخرة شرقا، وسنديانة غربا، وعوسجة شمالا، وقامة جدي الفلاح أبو أسعد الملقب ب”الدقاق” جنوبا، وشمس معلقة فوق جبهة سمراء وسطا”.

وتابع: “أنا في الخامسة من عمري كنت ألف وأطوف، ها هنا، أحاول تجاوز هذه الحدود إلى الأفق المستحيل، أركض في الثلم، الذي رسمه محراث جدي، وفي أديم هذه الأرض، ألملم الحجارة الرطبة وأشكل منها “بيت بيوت”…ومن الصخرة والسنديانة والعوسجة محراثا صغيرا، ومعولا أصغر منه، ومن الشمس المعلقة أحلام طفولة ملونة”.

وأكمل: “وفي السادسة من عمري، اقتلعوني من تربة هذه الأرض الربيعية، ونصبوني في أسفلت المدينة الأسود، وهناك بدأت رحلة الهجرة والتهجير، وهناك تكونت الذات المتمردة الثائرة، مشفوعة بحنين العودة إلى الجذور، وها قد عدت بعد خمسين عاما، وفي داخلي فلاح صغير لم يكبر بعد”.

وأردف: “كانت رحلتي الطويلة، بل غربتي الطويلة، سجلت فيها ثمانية عشر معرضا فرديا في لبنان والخارج، وعشرات المعارض الجماعية، وسبعة وثلاثين نصبا ومنحوتة كبيرة، توزعت في الساحات اللبنانية وفي الخارج، وفي جولات حصدت فيها الجوائز والتنويهات والميداليات المحلية والعالمية من معرض “إيقاعات” مراهق أوائل سبعينات القرن الماضي إلى معرض “وجه بلدي” في الحرب اللبنانية، إلى “نهوض” المقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي إلى حرف “النون” وتجلياته الصوفية والرمزية إلى معارض “العولمة” وأصدائها الكارثية الدموية، وصولا إلى “الراقصة والحصان” حيث يسقط الفارس والخيال وتحتل الراقصة مسرح الحياة”، مستطردا: “في كل هذه المعارض، رسما ونحتا وتركيبا وتجهيزا وأنصابا، كان الفلاح الصغير البسيط يطل برأسه متمردا موثقا المحطات الساخنة شاهدا وشهيدا”.

وختم “أعود اليوم إلى حقلي، أعتزل فيه، أكثر إصرارا على إكمال مشواري الهادئ نحتا ورسما وكتابة، لكن اسمحوا لي أن أهدي اليوبيل الذهبي، وكل الجوائز والميداليات إلى جدي وجدتي ووالدي، الذي رحل باكرا، وإلى والدتي الكادحة المكافحة في تربية أولادها اليتامى، إلى زوجتي قبلتي وملهمتي، إلى ابنتي وأحفادي، الذين في أحلامهم يغفو المستقبل”.

داوود

من جهته، قال داوود في كلمته: “نحن هنا في “واحة الدقاق”، مرتع الفنان التشكيلي شربل فارس وخلوته الفنية – الفكرية، غني، ثري مسار فناننا المكرم، صبي كروم العنب والتين والزيتون، وبيادر البركة وعبق الطيون، المسلوخ من ظلال السنديان إلى ضجيج المدينة، المتمرد، على خطى “خليل الكافر” و”يوحنا المجنون” في كتابات جبران، الحالم بالثورة وتغيير العالم”.

أضاف: “نكرم اليوم فنانا ملتزما بالجذور والألوان، فنونا تشكيلية، رسما ونحتا، من معرضه الأول في تلك البيروت 1973 إلى الكويت، محطة فنية، إلى تتلمذه على يد الفنان ناظم إيراني، إلى قواقعه اليوم، وقبل الأمس، وتحوله إلى واقعية، أراد عبرها التعبير عن قضايا العصر وهواجسه والهموم”.

وتابع: “عرفنا أعمال شربل فارس، نحتا وتلوينا، خلال فترة احتلال العدو الإسرائيلي لجنوبنا، من خلال أعمال أدان فيها وحشية الغاصب، ومجد الروح المقاومة، دفاعا عن الكرامة والأرض ومعاني الشهادة”.

وأكمل: “نفتتح اليوم معرضا تشكيليا، خارج مألوف الأمكنة “واحة الدقاق”، نشر فيها الفنان أعماله، في هدأة الطبيعة وسكون الإيحاء، ويسعدني أن أزيح الستار عن منحوتات تمثل وجوه مبدعين من بلادي، السيدة فيروز سفيرتنا إلى المجرات، أحد أجمل رموزنا اللبنانية، بالتكامل والتناغم مع الأخوين رحباني، صاحب كتاب “النبي”، الذي طاف الأرض وترجم إلى لغات العالم، ويطبع منه بالملايين في الولايات المتحدة، إلى شوشو، حسن علاء الدين، ومن ينسى “المسرح الوطني” والثنائي حسن وشريكه المخرج والمؤلف نزار ميقاتي، وآخرين أمثال روجيه عساف وفارس يواكيم ومحمد كريم، وأعمالا كثيرة استلها شوشو من همومنا اليومية، فشاهد جمهور المسرح “آخ يا بلدنا” و”تحت الصفر” و”طربوش بالقاووش”، وحوالي ثلاثين عملا، ضجت بها الصحافة والرأي العام، من العام 1965 حتى 1970″.

وأردف: “سعيد أنا بهذا المناخ الرائع المشبع بالمخيلة الخلاقة والإبداع الفني، أحيي مبادرة الجمعيات المنظمة لهذا الحدث، أما الفنان شربل فارس، فله منا كل التقدير والثناء، أحد راياتنا التشكيلية الحديثة”.

وختم “كل التمنيات بمزيد من العطاءات، كل الافتخار بفنانينا، وهذا اللبنان الرائع، له منا كل الولاء”.

ثم قدم داوود وشحادة لفارس وسام التميز والإبداع المذهب باسم اتحاد بلديات إقليم التفاح، كما منحته “جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت” وسامها التقديري الخاص، وميدالية مذهبة باسم الجمعيات والأندية التي كرمته.

بعدها، تمت إزاحة الستار عن ثلاث منحوتات لعمالقة الأدب والفن والمسرح في لبنان: جبران خليل جبران، فيروز وحسن علاء الدين “شوشو”، من أعمال المحتفى به، وجال الحضور في المحترف.

وجرى توزيع مغلف يحتوي على “بلوك” من طوابع “سندريلا” الخاصة تمثل ثماني لوحات من أعمال شربل فارس الزيتية والمائية، إضافة إلى ست بطاقات بريدية تحمل أعمالاً متنوعة لشربل فارس بين الرسم والنحت، منها المنحوتات الثلاثة التي أميط اللثام عنها في مهرجان التكريم…