بيار كرم ينحت وجهاً آخر للحياة المشتهاة/ مارسيل خليفة

تقول السماء : لي صباح تقوده الطيور.

فترد الأرض : لي رقص الغزال وزركشة الأطفال.

توشوشها السماء لتستفزّها: أعرف سرّاً عن الله!

تكافئها الأرض بابتسامة ماكرة.

انت وهو تجهلان نكهة الطين حين يرتدي الماء.

“بيار كرم” ينحت وجهاً آخر للحياة المشتهاة.

في عذوبته قسوة الريشة على بؤبؤ العين. وفي قسوته عذوبة التفاصيل الساطعة بجنوح الطين الى الخروج من الحسّي الى المجرّد.

أيها النحّات كيف تحمل إلينا تماثيلك وتيّار الحياة يجري في عروقها ويرقص على إيقاع خفيّ.
هل هي الحياة نفسها التي تنبت فرحتها فوق أديم الأرض؟

أو أن الحياة ليست سوى قبضة طين على وجه تمثال.

هل النحت مسّ من هوس البحث عن الخلود؟

وهل يتحوّل النحّات الى خالق؟

صديقي بيار، إنتعلت قلبي اليوم وحملت هواجسي وأتيت اليك لنحتفل بقدرة الروح الابداعيّة على الخلق.
لم اقل لك بأنك لص نبيل يتربّص بنشوة عارمة لتنحت امرأة عارية كطيف سريع الاختفاء.
أيها الساحر !!

من جلستي هذه أمامك وأنت تغمز بنظرتك الشقيّة وجهي ووجوه تماثيلك، لا لشيء الاّ لأنّك تعرف نفسك، وتعرفنا واحداً واحداً وتعرف ان الذات هي ما يجعل المرء يركض بحثاً عن ذاته التي لا تجد ذاتها الاّ اذا امتلأت بخارجها. وكم كابدت في رحلتك كي تجد النحت في تلك المنطقة المتوترّة من السؤال. وحيداً في زحام التماثيل ومزدحماً بوحدتك.

في محترفك “العمشيتي” يجري الحوار بين الواقعي والخرافي، بين الزمنيّ والروحيّ، بين النسبيّ والمطلق، بين الزائل والدائم. فطوبى لك أيها الحالم الذي جعلت الحنين في رقّة الحجر وأطلقت الحريّة بلمسة يدك.

بيار الصديق الدائم المبتسم المتواضع المحتشم. فيك من البطل والشاهد والعامل والفلاّح والفيلسوف والمفكّر والفنّان. فيك من الأنا والجماعة والآخر.

انت الراوي المفتوح على الجهات كلّها والمفارقات كلّها والأسئلة كلّها.

عاتب عليك أنا لأنني عدت الى نفسي ناقصاً بعدما نحتّني.

لا ادري ان كنت هنا ام هناك، ولا أدري هل أنا هو او هو انا، هل هذا كلامي، ام همس التمثال.
ولكن في كل الحالات لست انا غير تلك الطعنة التي حفرتها يدك على حافة المعنى.

هل دخلت من هنا؟ ام تآخيت مع تمثال يكبر وحده دون ان انتبه الى تدخّل النحّات في ثنايا ظل على ظل. انه شكل لي او وجه للشكل. فكيف تحطّ نسمة على التمثال دون ان تجرحه ودون ان تتلاشى فرحاً صوفياً والى ما يحوّل هذا الطين والماء الى حيوات أخرى.

تلك هي فرحتي في هذا المساء التشرينيّ، حيث اخرج من ذاتي اليكِ بسنونو حنين يشبه الكلمات، فأراك وقد خرجت من ذاتك ومن تماثيلك الّيّ طيفاً يستضيف طيفاً على مساء يتدلّى علينا من ارض وسماء.

وما دمت وقد عيشتني مرة اخرى فإن عليّ اليوم ان اتمرّد على التمثال وان احب الحياة اكثر واحبّك اكثر.

بيار كرم شكراً لك !.